"إذا آمنتم أنَّ يسوع هو المسيح ابن الله، كانت لكم باسمه الحياة الأبدية"

عظة البطريرك الأحد الجديد

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الفاتيكان، الاثنين 16 أبريل 2012 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي عظة البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي لدى احتفاله بالقداس الإلهي بمناسبة الأحد الجديد أمس 15 أبريل 2012.
* * *
1. بهذه الكلمات يُنهي يوحنّا الرسول إنجيله، ليقول أنَّ إنجيل يسوع المسيح يُقدِّم لكلِّ واحدٍ منّا صفحةً بيضاء، يكتب عليها وقائع حياته مع المسيح الفادي والمخلِّص. وقال أنّه لم يُدوِّن كلَّ الآيات التي أجراها الرب يسوع، بل اكتفى بما دَوَّنَ لنا “لكي نؤمن أن يسوع هو المسيح ابنُ الله، ولكي تكون لنا، إذا آمنّا، الحياة باسمه”. وبما أنَّ ظهوراته المتتالية، بعد قيامته، كانت تتمُّ أيام الأحد، فأصبح الأحد “يوم الرب”، أي يوم إعلان الايمان بالمسيح، ويوم قبول الحياة الجديدة التي يقدِّمها لنا بنعمة الأسرار في كلِّ يوم. ولهذا سُمِّيَ الأحد الذي يلي أحد القيامة “الأحد الجديد” ليكون حلقة في سلسلة الآحاد.
أودُّ أن أُحَيّي جميع الحاضرين ومن بينهم جماعات الرحمة الإلهية بمناسبة عيدها في الأحد الجديد هذا، وجماعات إيمان ونور بمناسبة الاحتفال بعيدها الأربعين، والشخصيات اللبنانية والاجنبية التي شاركت في المؤتمر الذي نظّمه المكتب الكاثوليكي الدُّوَلي للتعليم في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا حول موضوع: “الثورات العربية ومسيحيو الشرق”، وقد شاركنا شخصياً في هذا المؤتمر بكلمة إفتتاحية تمنّينا فيها أن يكون الربيع العربي كما ترجوه الشعوب ربيع ديمقراطيةٍ واحترم لحرية الانسان وتعزيز الحريات العامة وإدخال الديمقراطية إلى الانظمة العربية. وأعربنا عن التزامنا في قيام ربيعٍ مسيحي يواصل في هذا الشرق الرسالة المسيحية العريقة.
2. فها نحن نحتفل اليوم “بالأحد الجديد”، الذي هو بداية الأزمنة المسيحانية الجديدة، التي افتتحها   المسيح   عهداً  جديداً بين  الله  والانسان،  بتقديم  ذبيحة  ذاته على  الصليب   فداءً عن الجنس البشري، وقد جرى مع دمه المسفوك ينبوع الغفران للعالم؛ وبإعطاء وليمة جسده ودمه لحياة البشر. ونوجّه النداء إلى كلِّ مسيحيّ ليكون أميناً لهذا العهد الذي أبرمه المسيح بدمه، والذي يُجدِّده المسيحي المؤمن والمسيحية المؤمنة في كلِّ يوم أحد، المعروف بيوم الرب ويوم الانسان ويوم العائلة. إنّه يوم العيد بلقاء سرّ الله الثالوث، في ليتورجيا الأحد، حيث يتجدَّد العقل بنور الحقيقة من كلام الإنجيل، ويتجدّد القلب بالمحبة الإلهية المسكوبة في القلوب بحلول الروح القدس، وتتجدَّد النفوس بنعمة الشفاء الجارية من ذبيحة ابن الله ووليمة جسده ودمه. إننا نرى بمرارة كم أنَّ العديد من المسيحيين تناسَوا هذا العهد الإلهي، وغابوا عن موعد يوم الرب، فانحرفوا عن الحق والخير وجمال القِيَم، فعانت العائلة والمجتمع والدولة من مخلّفات هذا الانحراف، فساداً وشرَّاً وانقساماً.
3. ولأنَّ “الأحد الجديد” هو عهد محبة الله ورحمته اللامتناهية لكلِّ إنسان على مدى التاريخ، فقد جعله الطوباوي البابا يوحنّا بولس الثاني “عيد الرحمة الإلهية”. فكان أنْ بادلته رحمة الله نعمة الانتقال من عالمنا إلى مجد السماء في مثل هذا اليوم من سنة 2005. ففي 30 نيسان 2000 أعلن البابا يوحنا بولس الثاني “الأحد الجديد” عيد الرحمة الإلهية، في مناسبة تقديس الأخت فوستين، من راهبات سيدة الرحمة في فرصوفيا عاصمة بولونيا. ظهر الرب يسوع لهذه الراهبة وطلب إليها أن تنشر عبادة رحمته الإلهية. لقد تراءى لها بكامل قامته الممجّدة مع شعاعَين يخرجان من جهة قلبه، يرمزان إلى الماء والدّم اللذَين سالا من صدره عندما طعنه أحد الجنود بحربة وهو مائت على الصليب. الشعاع الأبيض يرمز إلى ماء المعمودية، والشعاع الأحمر يرمز إلى دم القربان. من ماء المعمودية وُلدنا أبناء وبنات لله بالابن الوحيد، وبدم القربان نلنا غفران الخطايا والحياة الجديدة. كل يوم أحد يذكّرنا بالرحمة الإلهية التي تظلّل حياتنا.
يسعدنا أن تشارك معنا اليوم جماعات الرحمة الإلهية المنتشرة في مختلف الرعايا والابرشيات. ومعلوم أنَّ عبادة الرحمة الإلهية بدأت في لبنان سنة 1996 ثمَّ راحت بعد سنة تتنظمّ جماعات الرحمة الإلهية في لبنان وسوريا ومصر والأردن وكندا، وتلتقي حول مسبحة الرحمة الإلهية والتأمل بسرّ رحمة الله المتجلّية في سرّ موت المسيح وقيامته. لقد بلغ عدد هذه الجماعات في لبنان أربع عشرة جماعة في مختلف الأبرشيات. إنّنا نُصلّي مع هذه الجماعات لكي تسود الرحمة في كلِّ المجتمعات للغاية التي مشفها الربُّ يسوع للقديسة فوستين: “عبادة الرحمة الإلهية هي خشبة الخلاص التي، إن لم يلتجئ إليها العالم لن يجد السلام ولن يخلص”.
4. إنَّ ظهور الرب يسوع للتلاميذ وتوما معهم، في ذاك يوم الاحد، يُذكّرنا بذبيحة الفداء. فأراهم جراحات الصلب في يدَيه وصدره، ليعرفوه من خلالها. وفي الواقع عرفه توما المشكِّك وهتف بصرخة الايمان، التي أصبحت بداية كلِّ صلاة تتلوها الكنيسة: “ربّي وإلهي”. هذا المشهد يتكرَّر في كلِّ يوم أحد في ذبيحة القداس، حيث يُقدِّم الربّ يسوع، بواسطة الخدمة الكهنوتية، جسده ودمه ذبيحة فداء وخلاص، تحت شكلَي الخبز والخمر. لكنَّ آلامه الحسّية ما زالت جارية في آلام أعضاء جسده، أعني كلَّ المتألّمين بشتّى الآلام الجسدية والنفسية والمعنوية.
ويسعدنا أن تُشارك معنا أيضاً في هذا الاحتفال بجراحات المسيح الخلاصية جماعات إيمان ونور التي تحتفل بعيدها الأربعين، والتي أرادت أن تكون سنة 2012 سنة حجّ واحتفالات. “إيمان ونور” حركة جماعية تسعى إلى
خلق علاقات صداقة مع أشخاص مُصابين بإعاقة، إلى الانفتاح على أهلهم للتقرُّب منهم، ومساعدتهم في إدراك حالة ولدهم المُصاب وفي إنمائه وانخراطه في مجتمعه، وفي جعله مصدراً للوحدة والمحبّة في قلب العائلة. تلتقي جماعات “إيمان ونور” في أوقات متنوّعة من الفرح والعيد. أنتشرت في لبنان منذ ثلاثين سنة، وفاق عددُها الستين جماعة في مختلف الرعايا والأبرشيات اللبنانية.
5. ظهور الرب يسوع في إنجيل اليوم هو ظهور قرباني، قدّاس أقامه يسوع، ليُكرِّس يوم الرب. وهو إياه قدّاس الكنيسة، بأقسامه الثلاثة:خدمة الكلمة التي تُغذّي العقول بالحقيقة التي تُنير حياة المؤمنين، يسوع كلّمهم وحرَّرهم من الشكّ؛ ذبيحة الفداء التي تشفي النفوس بالغفران، يسوع الذبيح المُمجَّد أراهم علامات الذبيحة الدائمة، جراحَ يدَيه وجنبِه؛ مناولة جسد الربّ ودمه للحياة الجديدة، يسوع وهبهم ذاته وسلامه وروحه القدّوس، فهتف توما: “ربّي وإلهي”. قدّاس يوم الربّ يجعل من كلّ أحد يومَ الإنسان والجماعةِ والعائلة وعيدِها. إنّه ينبوع “الشركة والمحبّة” التي نعمل في سبيل إحلالها وجعلها ثقافتِنا وحضارةِ حياتنا.
أودُّ أن أشكر الله معكم، على أنَّ العديدين من أبناءِ الكنيسة وبناتها يحافظون على قدّاس يوم الربّ في كلِّ أحد. وقد شَهِدتْ رعايانا، في مناسبة الأسبوع العظيم وعيد قيامة الرب من الموت، عودةً واسعة إلى الليتورجيّا الإلهية. ولكن ما يُقلِق بالنا هو أنَّ عدداً لا يُستهانُ به من أبنائنا وبناتها، ما زالوا بعيدين عن قدّاس الأحد، ويعيشون بعيداً عن كلام الله المُنير، وعن نعمة سرِّ التوبة والقربان التي تشفي النفوس. ولهذا نجدُ، ويا للأسف، الكثير من الفساد، والحقد والظلم، والاعتداء على الكرامات والصيت بالكذب والافتراء والتضليل، والارتهان للمال الحرام والرشوة والسرقة. الم يقل بولس الرسول: “لهذا السبب كثُر بينكم المرضى والضعفاء؟”(1كور11: 30). لكنَّ رجاءنا بالمسيح القائم من الموت يُعطينا اليقين بأنّه قادرٌ على تغيير القلوب وإعادتها إلى الله. وعلى أساس هذا الرجاء نلتزمُ بإعلانٍ جديدٍ للإنجيل في محيطنا المسيحي.
6. إنّي أدعوكم للصلاة من أجل ارتداد الخطأة، وأدعوكم للتنبّه لما يُحاك من شرٍّ للكنيسة ورعاتها، وللاعتصام بكل ما هو حقٌّ وخيرٌ وعدل. ألم يُنبّهنا السيد المسيح: “ليس عبدٌ أعظم من سيده. فإنْ كانوا قد اضطهدوني فسوف يضطهدونكم أيضاً. وإن كانوا قد حفظوا كلمتي، فسوف يحفظون كلمتكم أيضاً”(يو15: 20). وأضاف: “سيكون لكم في العالم ضيق، لكن ثِقوا أنا غلبتُ العالم”(يو16: 33). وأكّدَ: “ولكنْ شعرةٌ واحدة من رؤوسكم لا تهلك. وبثباتكم تحافظون على أنفسكم”، وأعطانا الضمانة بقوله:” وأنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع مُعارضيكم أن يُقاوموها أو يناهضوها”(لو21: 15). بفضل هذه الثقة بالمسيح، الذي أراد بموته وقيامته أن يجمع البشرية في وحدة البنوّة لله وشمولية الأخوّة، نواصل سعيَنا الدؤوب لبناء وحدتنا الكنسية والوطنية بروح الشركة والمحبة.
صلاتنا أن يُشدِّدنا المسيح الرب في الإيمان باسمه لتكون لنا الحياة الجديدة بالروح القدس لخلاصنا وخلاص العالم. ولله المجد والتسبيح إلى الأبد، آمين.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير