بغداد، الخميس 19 أبريل 2012 (ZENIT.org). - رسالة يسوع المسيح للبشرية كانت محبة، بحيث بذل ذاتهُ في سبيل خلاصنا من الخطيئة. بهذا تتبين عظمة محبة الله لنا، أن أرسل أبنهُ الوحيد إلى العالم ليموت هو ونحيا نحن، لأنهُ بموتهِ أمات كل ما هو أرضي في الإنسان والذي أفسدتهُ الشهوات الخادعة، من زنى وفسق وشهوة (كولوسي 3: 5). وتخلصَ من كُل ما يُسيء إلى جسّده، وألبسهُ الإنسان الجديد المُتجدد بإعمالهِ التي تُقربنا من الله " لأنكم خلعتم الإنسان القديم وكل أعمالهِ، ولبستم الإنسان الجديد الذي يتجدد في المعرفة على صورة خالقهِ" (كولوسي 3: 9-11). نتجدد روحاً وعقلاً بصورة الإنسان الذي خلقهُ الله في البر وقداسة الحق (افسس 4: 23-25).
فالله اختارنا من دون كل خلائقهِ وقدسنْا وأحبنْا وألبسنْا عواطف الحنان والرأفة والتواضع والوداعة والصبر والتسامح، وألبسنا المحبة وجَسّدنا في المحبةِ "والبسوا فوق هذا كلهُ المحبة، فهي رباط الكمال" (كولوسي 3: 12-15). وكوننا قد خلقنا على صورة الله ومثالهِ فيجب أن نكون على قدر هذه المحبة ليس لأنفسنا فقط بل للجميع. لأنهُ " من لا يُحب فأنهُ لا يعرف الله، لأن الله محبة" (1 يوحنا 4: 8). وعندما نقول بأن الله خلق الإنسان على صورتهِ، فإنما يقصدُ بها صورتهِ في الروح والطهارة والعفة، روحهُ التي تكون مُحبة للتقوّى والبرّ وفي عمل الخير، وتكون الروح قوية إذا نالتْ الخلاص مع الروح القدس الذي أنعمها الله على الإنسان وينالها بالأعمال الصالحة، والتي بها يأخذ سلطاناً على الجسّد وشهوتهِ.
وفي أعماق كل واحد منا طاقة حُب لله وللآخر. وعلينا أن نعيش هذا الحب كما أرادهُ الله لنا. حُباً كاملاً، طاهراً، ونقياً، مثل ينبوع الماء الصافي، بدون أية شائبة تشوههُ. فهل نحن اليوم نعيش الحُبّ الذي منحهُ الله لنا؟ أم إن الشهوة هي من تقودهُ وتُفسدهُ؟
يقول بولس الرسول في رسالتهِ إلى أهل غلاطية:" اسلكوا في الروح ولا تشبعوا شهوة الجسد، فما يشتهيه الجسد يُناقض الروح، وما يشتهيه الروح يناقض الجسد، كل منهما يقاوم الآخر". (غلاطية 5: 16-18)
ما يقصدهُ بولس الرسول في قوله "ما يشتهيهِ الجسّد يُناقض الروح" يقصد به جسّد الإنسان الخاطئ، الذي بشهوته المُسيطرة والمُستعبدة على جسده تقودهُ إلى الخطيئة، هذا هو الجسد الذي يناقض الروح. فهو بشهوتهِ هذه يخطأ ويُذنب إلى جسده والى الله " ألا تعرفون إن أجسادكم هي هيكل الروح القدس، الذي فيكم هبة من الله؟" (1 كورنثوس 6: 19). فما نحن مُلك أنفسنا فقط بل مُلك لله، فعلينا أذن أن نُمجدهُ في أجسادنا ونُقدسهُ. ولا ندعّ الخطيئة تُسيطر عليه وتقودهُ وراء شهواتهِ " لا تدعوا الخطيئة تسوّدُ جسدكم الفاني، فتنقادوا لشهواتهِ" ( روما 6: 12).
فالجسد لم يخلق للشر ولا للخطيئة لأن الله لا يُحب الشرور، لأنهُ لو كان الجسّد شراً، ما كانت الكلمة صارت جسداً، وما كان يمكن إن يكون جسدنا هيكل للروح القدس ويُسكنهُ فيهِ، وما كنا جميعاً أعضاء في جسد المسيح، وما كان أيضاً الله جعل الرجل والمرأة جسداً واحداً. فأجسادنا هي لتمجّيد الله وخدمتهِ. والرب المسيح أعطانا وصايا وأوصانا بها، وكيف نَصونُ أجسادنا في القداسة والكرامة، فلا تستولي عليها الشهوة، فالله لم يدعونا إلى النجاسة بل إلى القداسة، فمن يرفض هذا التعليم لا يرفض إنساناً، بل الله الذي يمنحُنا روحَهُ القدوُس. (1 تسالونيكي 4: 2-9).
علينا إن نكون كاملين في جسدنا وروحنا، لأنهُ بها تكمل محبتنا لله. ومن أحبَ الوالد أحبَ المُولود منهُ، وإذا كنا نُحب الله علينا أن نعمل بوصاياه. وما وصاياه ثقيلة (1 يوحنا 5: 1-4). فسلوكنا حياة الروح وإشباعها بكلام الله وتعاليمهِ والصلاة والصوم والترانيم والتسابيح والألحان نسمّو بها ونجعلها تمتلئ من الروح القدس وتقترب من الله وتتحد به. لذا " امتلئوا بالروح، وتحدثوا بكلام المزامير والتسابيح والأناشيد الروحية، رتلوا وسبحوا للرب من أعماق قلوبكم" (أفسس 5: 18- 20). هكذا نُغذي روحنا ونهتم بها، ونجعلها تحمل ثمر محبة الله الذي أحبنا من خلال أبنهِ، ونُثبت فيهِ وفي محبتهِ " أنا أحبكم مثلما أحبني الأب، فاثبتوا في مَحَبتي. إذا عَملُتم بوصايايَ تثبتونَ في مَحَبتي، كما عملتُ بوصايا أبي وأثُبتُ في مَحبتِهِ" ( يوحنا 15: 8- 11). وطبعاً الجسّد يحتاج إلى إشباع هو الآخر، ولكن ليسَ بالشهّوة وإغضَاب الرب، وإنما برضَا الربّ وبما حللهُ لهُ.
عندما خلقَ الله الإنسان جعلهما ذكراً وأنثى، أرادا لهما حياة مقدسة تكون انعكاسًا لطبيعتهِ الإلهية الكاملة، وقال: تكونان جسداً واحداً، يتحدان ليصبحا شخصاً واحد في الأبناء الذين يأتون بهم للحياة، أي إن الله خلق الإنسان وبداخله الرغبة والحب للآخر. وأراد للإنسان أن يسمّو بمشاعره وعواطفهِ للآخر. ولكن كيف ؟ بالشهوة ، أم ضمن إطار علاقة زوجية يتخللها الحب والتفاهم وتمتد مدّى نهاية حياة أحدهما؟
لقد خلق الله هذه الغريزة في الإنسان كتعبير عن الحُب والعواطف والألفة الجسدّية المُحبة والعلاقة الحميمة للآخر. خلقهما الله لهدف في الحياة وهي "انموا وأكثروا واملئوا الأرض". وهذا الحب يجب أن يُفهم على أنهُ بذل الذات من أجل الآخر من أجل أن تكسب حبهُ ومحبتهِ لشخصهِ وذاتهِ التي هي ذاتُك، وأن لا يُنظر إليهِ كشيء من الأشياء أو كأداة تنتهك حُرمة شخصه وتُحولهُ إلى مصدر لإشباع الشهوة. فالحب والشهوة في نقيض دائم وصراع! نعم الاثنان ينبعان من القلب، لكن لكل منهما طريقتهُ في حياة الفرد، والإنسان هو من يحدد بإرادته الذاتية، كيفية كبحّ لجامها. والثقافة المُعاصرة التي هي الأخرى تُستغل بأسلوب خاطئ من قبل البعض، أفسدتْ هذا المعنى وأبعدتهُ بعيداً عن مفهومهِ تماماً.
فأي شيء يفعلهُ الإنسان على نقيض إرادة الله هو خطيئة، والشهوة خطيئة. " الشهوة تَمتحنُ الإنسان حين تُغويهِ وتُغريهِ، والشهوة إذا حَبلتْ ولدتِ الخطيئةَ، والخطيئة إذا نضجتْ ولدت الموتَ" (يعقوب 1: 14- 16). ويسوع المسيح في موعظتهِ على الجبل قال " لقد سمعتم أنه قيل للقدماء (لا تزن)، أما أنا فأقول لكم: من نظر إلى امرأة ليشتهيها، زنى بها في قلبهِ" (متى 5: 27- 29). دليل على أن الشهوة بالنظر هي ارتكاب الزنى في القلب وهي خطيئة، ومن فكرَ بقلبهِ فربما هذا التفكير يتطور إلى سلوك ونشاط فعلي وصريح ويُمارس خارج إطار العلاقة الزوجية! " لأن منَ القلب تخرج الأفكار الشريرة، القتل والزنى والفسق .... وهي التي تُنجسُ الإنسانَ" (متى 15: 19). وهذه خطيئة تأتي من العالم، ومن يُحب العالم لا تثبت محبة الله فيهِ " لأن كل ما في العالم من، شهوة الجسد وشهوة العين ومجد الحياة لا يكون من الآب، بل من العالم" (1 يوحنا 2: 15- 17).
لذا " اهربوا من الزنى، فكل خطيئة غير هذه يرتكبها الإنسان هي خارجة عن جسده، ولكن الزاني يُذنب إلى جسده" (1 كورنثوس 6: 18). ومن يُذنب بحق جسده يُذنب إلى هيكل الروح القدس، الذي وهبهُ الله فينا، وعلينا أن نُمجد الله في أجسادنا ونُبقيها طاهرة وبعيدة عن تجارب الأشرار. فدائماً " تيقظوا واسهروا، لأن عَدوكُم إبليس يجول كالأسد الزائر باحثًا عن فريسة لهُ" (1 بطرس 5: 8). فــ " لا تعطوا إبليس مكانًا" (أفسس 4: 27). و" لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء" ( أفسس 4: 30).
" .... جسد الإنسان فما هو للزنى، بل هو للرب، والرب للجسَدِ" (1 كورنثوس 6: 13). ولكن " خوفًا من الزنى فليكن لكل رجل إمرأتهِ ولكل أمرأة زوجها" (1 كورنثوس 7: 2) غير أن المحبة الجسدية وضمن إطارها الصحيح والشرعي شيء جميل. " عودا إلى الحياة الزوجية العادية لئلا يعوزكم ضبط النفس، فتقعوا في تجربة إبليس" (1 كورنثوس 7: 5). والرب من خلال روحهُ القدوس هو مصدر القوة في الإنسان، وهو الذي يساعدهُ في كيفية توجيه طاقتهِ الجنسية والسيطرة عليها، بشكل روحي وضمن إطار الزواج. لذا " لا تحبوا العالم وما في العالم، من أحبَ العالم لا تكون محبة الأب فيهِ" (1 يوحنا 2: 15). و" تجنب أهواء الشباب وأطلب البرّ والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الربّ بقلوب طاهرة" (1 تيموثاوس 2: 22- 23). " ورئيس كهنتنا غير عاجز عن أن يُشفق على ضعفنا، وهو الذي خَضعَ مِثلنا لكل تجربةٍ ما عَدا الخطيئةَ" (عبرانيين 4: 15). فالرب لا يريد أن نكون مثقلين بذنوبنا بلْ بالمحبة التي وهبنا إياها من خلال الفداء بالمسيح.
الخلاصة:
الزواج أمر حللهُ الله بين اثنين ضمن إطار علاقة زوجية صحيحة مبنية على أساس من المحبة والتفاهم والصراحة. والإنسان لابدّ أن يلتزم ضمن هذا الإطار ولا يتجاوزهُ. والحب مع الالتزام أمر بغاية الأهمية في العلاقة الزوجية، التزام بعهد الله والوعد الذي قطعتهُ أمام الكاهن الذي هو وكيل المسيح، في مذبح الربّ، وتجاوزهُ خطيئةٌ.
وإذا استبدلنا الحب بالشهوة ستنتهي البشرية بشعور غير أصيل، ولا يكون الإنسان غير أنهُ وسيلة لإشباع غريزة جسدّية فقط! وهذا وأن حصل، فما يكون الفرق بين الإنسانية وبين الطبيعة؟!
سيكون الإنسان عبداً لشهواتهِ، وبالتالي عبداً للخطيئة، والخطيئة تشوه الجسد! فلا يكون معنى وطعم لحياتنا، وللحب الحقيقي والطاهر. هذه كانت غاية فداء المسيح نفسهُ من أجلنا، من أجل خلاصنا من الخطيئة، وبعد هذا كلهُ، هل نستمر في مسيرتنا، أم نسمّو بإنساننا وإنسانيتنا، لنكون على علاقة حميمة ومُحبة مع الله ومع الآخر، وأن نتجاوب معهُ ومع وصاياه، لنصل إلى الكمال الذي به نستمدُ قوتنا من الله لننتصر على الشهوة والخطيئة، ونثبتْ في المحبة. وهذا متوقف على ذات كل إنسان وعلى قدرتهِ في السيطرة على نفسهِ وشهواتها.