خبرة تلميذَي عماوس، أيقونة إيمان وتوبة

تأمل في إنجيل الأحد بحسب الطقس الماروني

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الأب الياس شخطورة الأنطوني
روما، الخميس 19 أبريل 2012 (ZENIT.org). – “وكانا يتحدثان بجميع هذه الأمور التي جرت”. هذا مما يطلعنا عليه الإنجيلي لوقا في سرده خبر لقاء تلميذَي عمّاوس بيسوع القائم من بين الأموات. فمسيرة التلميذَين نحو عمّاوس وما جرى معهما تسترجِعُ الى ذاكرتنا كلَّ مضمون إنجيل لوقا. فما الذي جرى فعليا على الدرب نحو عمّاوس؟
إنّ كلَّ الأحداث التي دارت حول الام وقيامة المسيح أخبرنا عنها لوقا مرتين على الدرب من اورشليم نحو عمّاوس. المرة الأولى ما كان يتداولان به كلِيوبا والتلميذ الآخر عن كل ما سمعاه من النسوة وما سرداه على مسامع الرجل المجهول، يسوع، الذي رافقهما في مسيرة العودة الى بيتهما. أما السرد الثاني فهو ما تكلم به يسوع عن نفسِه مستنداً على ما جاء في كتب التوراة والأنبياء. يُلفت انتباهنا سردا ثالثا عن الخبر نفسه، وهو ما نقله التلميذَين على مسامع الرسل والنسوة في أورشليم مما جرى معهما في طريق العودة الى عمّاوس.
لكل سردٍ ميزتُه الخاصة وتفرُّدُه: ففي السرد الاول قام التلميذين علنياً بإطلاع مضمون خبر الرجاء والحياة على مسامعِ رجلٍ غريب، عِلماً بأن التداول به لم يكن جائزاً آنذاك، خوفا من ردة فعل اليهود لما جرى من أحداث غير متوقعة في الأيام الأخيرة. فمن خلال استجوابهما العفوي ليسوع وتجاهلهما لهويته، أظهرا جلياً عن جهلهما لما يدور حولهما، على عكسِ ما ظهر على مُحَيّ وتصرفِ يسوع وما إتَهمَاهُ به “على أن أعينهما حُجبت عن معرفته”.
يَلي سردَ التلميذَين سردُ يسوعَ للخبر نفسه، مُعمّقاً مضمونه ومستنِدا على ما تكلّمَ به موسى  في التوراة وما تنبَّأ به الأنبياء عن موت وقيامة ابن الله. على ضوء هذه الشهادات الكتابية يُصبح خبرُ القيامة من جهةٍ أولى سرداً حقيقياً يُظهر مجدَ الله، أي حضورَه الذي يُشع من خلال الآلام والموت ليصل الى غاية الإنتصار والقيامة، ومن جهة ثانية حدثاً واقعياً مشهودا له على ألسن الجميع، يُسهم في إشعاع نور القيامة من اورشليم الى المسكونة كلها. بالرغم من كثرة الإفاضة بالشروح الكتابية والإستشهاد بكلام الله، بقيت عقدة جهل شخصية يسوع مسيطرة على إدراك ووعي التلميذَين، فلم يدركا أولا أنه عالمٌ بكل ما شهدت له الكتب القديمة وما يتجادلان به، وثانيا بأنه كان يتكلم عن نفسه. عندها يقوم يسوع بتوبيخهما، ليس فقط لضلالة وقساوة قلوبهما ولعدم معرفتهما له، إنما لجهلهما للكتب المقدسة ولمضمونها عن المسيح بالذات “يا قليلي الفهم وبطيئي القلب عن الإيمان بكل ما تكلم به الأنبياء.  أما كان يجب على المسيح أن يعاني تلك الآلام فيدخل في مجده ؟ فبدأ من موسى وجميع الأنبياء يفسر لهما جميع الكتب ما يختص به”.
 عادة، تجاه أي توبيخ وملامة، تُستَنظر رَدَّةُ فعلٍ قاسية، أكلامية كانت أو فعلية، لكن دعوة المكوث السلمية والمضيافة التي وجَّهها التلميذين ليسوع، تخترق صمت ودهشة كلٍّ منا. مع ظلمة الليل التي حلّت على طريق عمّاوس ها إن نور كسر الخبز المشع من جسد القائم من الموت يكشف، ليس فقط عن ظلمة الليل الكاحلة، إنما ايضا عن جهل التلميذَين اللذين أدركا حينها، أن من رافق خطواتهما هو حقا المسيح “فانفتحت أعينهما وعرفاه” وحينها فهما كل ما تكلم به.  
عندما عرَّفَ المسيح عن حقيقة ذاته اختفى عن انظار التلميذَين، فمعرفة يسوع القائم من الموت واكتشاف هويته يدفعنا كما دفع التلميذَين الى إعادة قراءة خبرتنا الشخصية “أما كان قلبنا متقدا في صدرنا، حين كان يحدثنا في الطريق ويشرح لنا الكتب؟”. إن قصة تلميذَي عمّاوس تحمل في طياتها حدثاً كبيراً ومهماً على الصعيدَين الفردي والجماعي، ألا وهو عامل التوبة المُتمثل بمسيرة الرجوع من عمّاوس الى اورشليم، مكان اللقاء بالمسيح ونقطة الانطلاق بالتبشير بانتصاره على الموت والخطيئة، وهي بالوقت ذاته دعوة لإعادة تصويب النظر نحو مصدر وهدف ومحور حياتنا، ألا وهو العيش في سرِّ ومعيّة “كسر الخبز”.
 من اورشليم دعا المسيح تلاميذَه الى حملِ شهادةِ الحق والحقيقة دون خوف ولا جزع الى اقاصي المسكونة، وللتذكير بانهم دائما في مسيرة حبٍّ وشهادة مع المسيح، جنبا الى جنب، في طرق الالم المتنوعة. على غرار تلميذَي عمّاوس، إن القلب الموقد بشعلة الكلمة يُصبح بذاته خبرة كل امرئ يبحث عن معنى لحياته ويبلغ بذلك الى لقاء واقعي وحقيقي مع الحي الذي لا يموت.  

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير