البابا رسول السلام والمحبة والحوار

احتفاءاً بالذكرى السابعة لانتخاب قداسة البابا بندكتس السادس عشر

Share this Entry

المونسنيور بيوس قاشا
بغداد، الاثنين 23 أبريل 2012 (ZENIT.org). – اعلن الفاتيكان  في الثامن من نيسان 2012 بأن قداسة البابا بندكتس السادس عشر سيزور لبنان من 14 وحتى 16 من سبتمبر القادم ، لكي يسلم ابناء كنائس الشرق الاوســـط الأرشاد الرسولي  ما بعد سينودس كنائس الشرق الوسط الذي عُقدَ في الفاتيكان ،  من العاشر وحتى الرابع والعــشرين من اكتوبر من عام 2010 حــول موضــوع ” الكنيسة الكاثــوليكية في الشرق الأوسط  شركة وشهادة ،   وسيترأس قداسته قداسا احتفالياً  ، ومن خلاله سيســـلم الأرشاد الرسولي والذي بتسليمه سيَختُم رسميا الجمعية السينودسية الخاصة بكنائس الشــــرق الأوسط .
    لا زالت كلمات الرسول بولس القائل:”الويل لي إنْ لم أبشر” (1كو16:9) تحيا في قلب الكنيسة، وما زالت الكنيسة ترسل رُسلاً لإعلان بشرى الخلاص دون انقطاع  متابعة  عمل البشارة بذاتها، ويحثّها الروح القدس على أن تســـهم في تحقيق تصميم الله الذي أقام المسيح مـبدأ خلاص العـــالم بأجمـــعه ..وفي هذا تؤكد الكنيسة أمانتها لحقيقة الإنجيل ( الوثائق المجمعية، ج2، بيان في الحرية الدينية ). ورسوليتها، إذ فيها تتأمل رسالة الابن ورسالة الروح القدس وفقاً لقصد الله الآب  (المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور العقائدي “في الكنيسة”، عدد1 ).
.    نعم، الرب يسوع منذ البدء دعا إليه مَن أراد وجعلهم اثني عشر ليكونوا معه ويرسلهم للتبشير(أع 8:1) إلى العالم كله، كما كان الآب قد أرسله هو نفسه (يو 21:20 )، وأمرهم أن “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وإلى أقاصي الأرض وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم طول الأيام إلى منتهى الدهر”.
    والبابا خليفة بطرس، رئيس الرسل، نائب المسيح على الأرض، الرئيس الأول الذي جعله المسيح صخرة الإيمان “أنتَ الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني بيعتي” ( متى 18:16)صخرة الكنيسة، يعلّمها ويسوسها بعصمة وسلطة إلهيتين، ويقود سفينة الإيمان في بحر هذا العالم المتلاطم اليوم بأمواج هائلة وزوابع وأعاصير لم يسبق لها مثيل، حيث يتم البحث عن أبعاد المسيح خارج العالم. كما تعصف رياح الآيديولوجيات بسفينة الكنيسة الصغيرة، بيد أن المسيح هو المنتظر سيما في الكنيسة المتألمة. وعلى الرغم من كل شيء يستمد الإيمان منه على الدوام قوة جديدة، ويبقى الرب في سفينة، في زورق الكنيسة.
    اليوم، البابا هو للعالم كله “كلاً للكل” ( 1كو 22:9) ، من أجل الكل وليس من أجل البعض ، للشرق والغرب، إليه تقصد الأمم المسيحية واليهودية والشعوب المسلمة والبوذية والهندوسية وأخرى ، ممالك الأرض برؤسائها وملوكها وأسيادها يستشيرونه وينظرون إليه راية إيمانية ، كلمة الحق ، رسول السلام والمحبة ، هو المؤمن على الإيمان والشاهد على التقليد والمخبر عن كرامة الحياة ، هو الرابطة الحية التي تربط أجيالنا العابرة بذلك الذي لا تزول كلمته إلى الأبد.
    نعم، دور البابا هو “تثبيت إخوته في الإيمان ”  ( لو 32:22) . ومهمته الشهادة للمسيح القائم من الموت،(7 أيار 2005، عصر تسلمه مقاليد أبرشية روما ) وهذه المهمة ما هي إلا خدمة لرسالة الخلاص بالمسيح يسوع. ومن خلال الخدمة التي يقوم بها يقرأ علامات الأزمنة في ضوء الإنجيل ليرى من خلالها أعمال الله 00 وفعل الإيمان هذا يحمل الإنسان على إدراك قوة الله العاملة في التاريخ والعيش بمخافته. فقد قال يوماً البابا بندكتس السادس عشر:”إن الطريق إلى روما يشكل جزءاً من شمولية رسالته كمبعوث إلى الأمم والشعوب كي يؤسس الكنيسة الكاثوليكية الجامعة. لذا فعلى روما أن تكشف الإيمان للعالم أجمع، وعليها أن تكون مكان التقاء الإيمان الواحد” . (قداسته في خطاب له أمام الممثلين الرسميين والحشود الشعبية في 7 أيار 2005 ) فتراه يجوب البلدان ويقطع الطرق، ويجتاز المسافات ويلتقي بالرؤساء والمرؤسين، بطبقات المجتمع من الفقراء والأغنياء ، يدعو الرجال والنساء أفراداً وجماعات إلى العطاء والخدمة 00 يناشد الشباب ويكلّم الأطفال 00 يفتقد المرضى والمهمشين ويفتش عن المرذولين والمنبوذين . يرفع صوته عالياً حيث يسود الظلم والقهر والتهجير . ينادي بالحرية للمأسورين ، يدعو الذين بسلطانهم زمام أمور الدنيا بإبعاد شبح الحروب والنزاعات المسلحة من أجل زرع بذار السلام والمحبة والوئام، وحماية العائلة في الدفاع عن كرامة الكائن البشري وإدانته بقوة جميع أشكال الظلم.
إنه يرفض ثقافة الحرب من أجل بناء ثقافة الحياة، ومدّ جسور الحب والمسامحة والغفران لبناء عالم تشعر فيه الأمم بأنها عائلة واحدة ، أزعج كل مَن قرر قتل ضميره من أجل مصالحه الضيقة والخاصة، ومن أجل الأنانية والنفعية ، إنه شاهد للضمير الحي ، ينحني على الفقير ليبلغ به سموّ المسيح لأن الله محبة. وهذا الإنحناء ليس إلا امتداداً نحو الله وصعوداً نحو السماء ، يرفع صوته لكي تكون كنوز الأرض ليس لإستعباد الآخرين بل لخدمة بناء جنة الله ، يناشد الأساقفة لكيما يكونوا رعاة قديسين ، ويدعو الكهنة ليُعلنوا كرازة الخلاص ويكونوا صدى كلمة واحدة، كلمة الله الذي صار جسداً لخلاصنا 00 ينشد السلام حيث يسود الحرب والخصام 00 يقود إلى الحقيقة مَن فقدوا طرق الخير والعدالة 00 يقرأ علامات الأزمنة في ضوء الإنجيل ليرى من خلالها أعمال الله وفعل الإيمان، وهذا يحمل الإنسان على إدراك قوة الله العاملة في التاريخ والعيش بمخافته 00 يعمل على أن تكتسب العائلة حقوقها ويحميها ويدافع عن كرامتها وكرامة الكائن البشري منذ اللحظة الأول
ى لتكوينه.
    إنه صوت المتألمين ونداء المظلومين ، يزيل الحواجز بين الشعوب ويمدّ جسور الوفاق والسلام والمصالحة واضعاً أسس القيم والأخلاق، ومقيماً عليها بنيان الإنسانية لتسود المحبة ، فلا طبقات ولا أجناس، فيصبح حينذاك شعب الله مؤلَّفاً من جميع الشعوب ، نداءات ونداءات ، كلمات تهز القلوب بعد أن تفعل فعلها في العقول.
    أمام كل هذه النداءات ، وعندما يلوح أن كل شيء في بناء مجتمعنا قد صار متزعزعاً ومتداعياً إلى السقوط ، وعندما تستولي المخاوف الشديدة حتى على النفوس الجريئة ، رجل واحد يبقى واقفاً ثابتاً لا يخاف ولا ييأس ولا يرتاب ، هو البابا ، إنه انفتاح وحوار ، حوار مع الفكر المعاصر ، حوار مع العالم ،حوار مع سائر المسيحيين ، حوار مع سائر الديانات ، حوار مع كل البشر حتى غير المؤمنين ، إنه روح جديد ، نمط جديد يتجاوب مع حاجات العصر الإيمانية والإنسانية والإجتماعية لإرساء دعائم العدل والحق والسلام والخير ، وما هذا إلا حَملُ الإنجيل حتى أقاصي الأرض . وما هو _ أي البابا _ إلا خادم خدّام الله 00 هذا ما أعلنه البابا بندكتس السادس عشر عصر تسلّمه مقاليد أبرشية روما، وأضاف حينها قائلاً:”علينا جميعاً الإسهام في تدمير جدران العداوة التي لا تزال تفصل البشرية، وتدعيم ربط الصداقة والمحبة التي هي علامات ملكوت الله في التاريخ”.
    نعم، هذا هو البابا بندكتس السادس عشر ، إنه في روما وعيناه على القطيع والحظيرة معاً 00 ساهراً ومسافراً في آنٍ واحد ، إنه صوت مليء ألماً وحباً ، فهو منذ بداية حبريته وعبر خطبه وعِظاته المتتالية يؤكد قداسته على التزامه الثابت في الدفاع عن الشخص البشري وتتميمه حقوقه الأساسية 00 واختياره لإسم بندكتس (مقابلته العامة مع المؤمينن يوم الأربعاء، 27 نيسان 2005، شرح البابا معنى ذلك ) ما هو إلا تأثره بسلفه السعيد الذكر البابا بندكتس الخامس عشر الذي كان رسول السلام الحقيقي والجريء، لخدمة المصالحة والتناغم بين البشر والشعوب، قناعة منه بأن خير السلام الكبير هو عطية من الله، عطية سريعة العطب ولكنها ثمينة، وتستأهل البحث عنها وحمايتها، وبناءها يوماً بعد يوم بمساهمة الجميع.
    نعم 00 لقد عهد المسيح البشرية كلها إلى رجل جعل منه نائبه ، سمعان ، وأنتَ متى رجعتَ ثبّت إخوتكَ00 وما هذه المهمة إلا خدمةً لرسالة الخلاص بالمسيح يسوع. إن بطرس والرسل وخلفاءهم في الكنيسة التي بُنيت على صخرة هي المسيح، شهود الله الذي صُلب وقام بيسوع المسيح 00 بهذا هم شهود الحياة التي هي أقوى من الموت ، شهود الله الواهب الحياة لأنه هو المحبة . هم شهود لأنهم عاينوا وسمعوا ولمسوا بأعين وآذان وأيدي بطرس ويوحنا وكثيرين سواهما، ولكن المسيح قال لتوما:”طوبى للذين يؤمنون ولم يروا”.
    نعم، من بطرس وخلفائه تكون مهمة البابا ، قراءة علامة الأزمنة في ضوء الإنجيل ، إنه طريق يحمله البابا بندكتس السادس عشر كمبعوث إلى الأمم والشعوب من أجل كنيسة الخلاص، وروما تكشف الإيمان للعالم أجمع لتكون مكان التقاء الإيمان الواحد.
    وهاهو البابا يجول البلدان عبر زياراته الرسولية، ويقطع المسافات ليملأ الساحات، حاملاً إلى بقاع العالم دفء المسيحية، ومعلناً أنّ لا قوة أعظم من المحبة حتى بذل الذات. وللوصول إلى ذلك لابدّ من حمل سلاح الصلاة عبر الحوار الصريح، داعياً إلى التعايش السلمي بين الشعوب، وحرية العبادة لكل فرد، والإنفتاح إلى الآخر من أجل تقوية الروابط بين الأمم والشعوب في مدّ الأيادي للتآخي والتسامح، ومشجعاً على مواصلة الحوار المسكوني والأممي من أجل نبذ الخلافات والإنقسامات لزرع بذار السلام.
 هذا هو البابا بندكتس السادس عشر 00 إنه يقودنا في كلامه إلى القداسة في عيش إيماننا المسيحي رغم صعوبة الحياة ومآسي الزمن، كما يوجه لنا جميعاً دعوة عبر خطبه وأقواله وكلماته إلى أن نكون رســل السلام والمحبة والحوار 00 كيف لا وهو نائب المسيح، يقود غنم الرعية إلى حيث ينبوع الخلاص! 00 وما أجمل القول “نذهب لنسمع البابا بندكتس السادس عشر”، وسماعنا هو قراءة مواعظه وعيشها 00 وهو الذي يدعو كنائسنا في الشرق الأوسط لتكون علامة وأداة للوحدة والمصالحه مثل الجماعة المسيحية الاولى كما يدعونا الى عدم الخوف والاحباط وان نكون أمناء لأوطاننا ولتربتنا وان لا نفقد الأمل فكنائسنا تعيش “مجد الرب ” كما يقول حزقيال  ” الذي يدخل الى البيت من الباب المتجه نحو الشرق ” ( حزقيال 3:43) . فما أعظم ما قال لنا ولكنائسنا ،  ولشعوب الأمم  ، إنه كلام خلاصٍ ، وقداسةٍ ..إنه شاهد وشهيد من أجل الحقيقة .. إنه رسول السلام ، وحامل المحبة ، وزارع الحوار،  والصوت الصارخ  في برية الحياة ..  ليس إلا!.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير