روما، الإثنين 3 سبتمبر 2012 (ZENIT.org)- ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي من على شرفة الساحة الداخلية للقصر الرسولي الصيفي نهار الأحد 2 سبتمبر 2012.
***
أيها الإخوة والأخوات،
تتناول ليتورجية الكلمة لهذا الأحد موضوع شريعة الله، ووصيته: إنها عنصر مهم في الديانة اليهودية كما المسيحية، حيث تجد الشريعة كمالها في المحبة (راجع رومة 13، 10). إن شريعة الله هي كلمته التي تقود الإنسان على طريق الحياة، فتخرجه من عبودية الأنانية، وتدخله الى “أرض” الحرية الحقيقية، والحياة. لهذا السبب لا تظهر الشريعة في الإنجيل كحمل، أو كعبء يقمع الحرية، بل وكأنها أثمن عطية من الله، شهادة حبه الأبوي، ورغبته بالبقاء قريبًا من شعبه، أن يكون حليفه، ويكتب معه قصة حب. هكذا يصلي اليهودي التقي: “بفرائضك اتلذذ لا انسى كلامك (…) دربني في سبيل وصاياك لاني به سررت” (مز 119، 16؛ 35). في العهد القديم، موسى هو الذي ينقل الشريعة باسم الله الى الشعب. بعد مسيرة طويلة في الصحراء، على عتبة أرض الميعاد، يقول موسى: “والآن، اسمع يا اسرائيل الشرائع والتقاليد التي أعلمك إياها اليوم لكي تطبقها: لكي تحيا، وتدخل لتحكم في البلاد التي أعطاك إياها إله آبائك” (تثنية 4، 1).
ها هي المشكلة: عندما يستقر الشعب في أرضه، ويكون الوصي على الشريعة، يلجأ الى أن يضع امانه وفرحه في شيء بعيد كل البعد عن كلام الله: في المادة، والسلطة، و”آلهة” أخرى باطلة، في الحقيقة، إنها أصنام. من المؤكد أن شريعة الله تبقى، ولكنها لم تعد أهم قاعدة في الحياة، أصبحت بالأحرى غطاء، في حين أن الحياة تتبع طرق أخرى، شرائع أخرى، فوائد فردية، أو في كثير من الأحيان جماعات أنانية. هكذا يفقد الدين معناه الحقيقي الذي يقتضي بالعيش مصغيين الى الله لنعمل مشيئته، التي هي حقيقة وجودنا، لكي نعيش جيدًا في الحرية الحقيقية؛ نحن نقلص الدين إلى ممارسات واستخدامات ثانوية التي في الواقع تجعل الإنسان يشعر وكأنه يعيش بحسب شريعة الله. وهذا خطر حقيقي تواجهه كل الديانات، وكان يسوع قد صادفه في تلك الحقبة، ولكن يمكننا أيضًا وللأسف أن نجده، في العالم المسيحي. لهذا السبب، إن الكلمات التي يتلفظ بها يسوع ضد الكتبة والفريسيين، عليها أن تجعلنا نفكر نحن أيضًا. تكلم يسوع بكلمات النبي أشعيا: “هذا الشعب يكرّمني بشفتيه وأما قلبه فبعيد عني. إنهم بالباطل يعبدونني فليس ما يعلمون من المذاهب سوى أحكام بشرية” (مرقس 7، 6-7؛ أشعيا 29،13). من ثم يختم بالقول: “إنكم تهملون وصية الله وتتمسكون بسنّة البشر” (مرقس 7، 8).
يحذر يعقوب الرسول في رسالته من خطر التدين الباطل. فيكتب للمسيحيين: “كونوا ممن يعملون بهذه الكلمة، لا ممن يكتفون بسماعها فيخدعون أنفسهم” (يعقوب 1، 22). فلتساعدنا مريم العذراء التي سنتوجه اليها الآن بالصلاة، لكي نصغي بقلب مفتوح، وصادق لكلمة الله، لتوجه أفكارنا، وخياراتنا، وأعمالنا كل يوم.
***
نقلته من الفرنسية الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية