الفوارة، الاثنين 10 سبتمبر 2012 (ZENIT.org). – على صخرة إيمان بطرس بيسوع أنّه المسيح ابن الله الحيّ، بنى الربّ يسوع كنيسته، وشبّهها ببيتٍ مبنيٍّ على الصّخر، فلا تنال منه الأمطار مهما كانت غزيرة، ولا الرياح مهما عصفت واشتدّت. هكذا الكنيسة جماعة المؤمنين بالمسيح التي هي جسده، وهو رأسها، تُبنى على الإيمان الصامد بأنّه المسيح المُرسل من الله نبيّاً وكاهناً وملكاً بامتياز، وبأنّه أشركنا في رسالته المثلّثة بالمعمودية والميرون. إنّنا نعلن اليوم إيمانَنا بالمسيح، وهو إيمانُ بطرس، وإيمانَنا بالكنيسة المبنيّة على صخرة هذا الإيمان، وفينا رجاءٌ وطيد أنّ قوى الشرّ لن تنال من كيانها ورسالتها. فلنكنْ ثابتين في الإيمان مثل إيمان بطرس الصخرة الذي قال له الربّ: “أنت هو الصخرة، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبوابُ الجحيم لن تقوى عليها” (متى 16: 18).
2. يسعدنا أن نحتفل مع سيادة أخينا المطران الياس نصّار راعي الأبرشية السامي الإحترام، ومع حضرة كاهن الرعية الخوري مارون كيوان وحضرة الخوراسقف فوزي إيليا إبن هذه الرعيّة والنائب العام في أبرشيّة سانت – لويس لوس أنجلس الأميركيّة، ومعكم جميعاً بتكريس كنيسة مار أنطونيوس الكبير الجديدة ومذبحها. ويسعدنا أن يشارك معنا في هذا الإحتفال صاحب السيادة المطران طانيوس الخوري راعي الأبرشية السابق، والمطران حنّا علوان معاوننا ونائبنا البطريركي، وهو وأهله من أبناء رعية Peoriaالأميركيّة التي يخدمها حضرة الخوراسقف فوزي إيليا، وحضرة الأرشمندريت نبيل واكيم النائب الأسقفي في منطقة دير القمر من أبرشية صيدا للملكيّين الروم الكاثوليك، وقدس الرؤساء العامّين وحضرة الآباء والرهبان والراهبات.
3. إننا نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة، شكراً لله على إنجاز هذا المشروع الراعوي الكبير، وكانت يدُه الخفيّة ويدُ القدّيس أنطونيوس الكبير، شفيعِ الكنيسة والبلدة، معكم في تحقيقه. ونلتمس منهما مكافأةَ الخير والنِّعم لكم ولكلّ المُحسنين وللّذين لهم تعب ومساهمة فيه. ونذكر في هذه الذبيحة عائلاتِكم، صغارَها وكبارَها، أصحّاءها ومرضاها. ونصلّي من أجل موتاكم الذين سلّموكم وديعة الإيمان ومِشعلَ الشّهادة المسيحيّة في لبنان وهذه المنطقة، وحيثما وُجدوا. ونخصّ من بينهم الكهنة المرحومين من آل أبي حبيب الخوري بطرس وابنَه الخوري الياس وابنَه الخوري بيار، والخوري شربل، والأبَ الياس نجّار الراهب المريمي الذي أدّى في الرهبانيّة والكنيسة خدمات جلّى.
4. إنّ يد الله مع الفوّارة العزيزة، وعين المسيح عليها، فاختار من أبناء عائلاتها الملتزمة، فضلاً عن الذين ذكرناهم، كهنةً ورهباناً وراهبات، نُحيّي من بينهم الخوراسقف فوزي إيليا والخوري طانيوس طانيوس، والأب إدمون طانيوس الرّاهب اللّبناني، والأب بشاره إيليا الأنطوني والأختَين ماري ريمون أبي حبيب المشيرة العامّة في جمعيّة راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، والأخت ديداس توما من راهبات الصليب.
وأعطت عائلات الفوّارة شخصيّات معروفة في شتّى الحقول: كالديبلوماسية والمحاماة والإقتصاد والزراعة والإعلام والتعليم والتّربية والعلوم النفسيّة والإنضواء في المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة المتنوّعة.
5. وأبناء الفوّاره المعروفون بإيمانهم ووحدتهم ومحبّتهم لبلدتهم، تحمّلوا محنة التهجير في أيلول 1983 أثناء أحداث الجبل، وقدّموا على مذبح الوطن ستّةً وعشرين شهيداً، ورأوا هدمَ بيوتهم وكنيستهم، وقطعَ أشجار بلدتهم وبساتينهم. فصمدوا في الإيمان والرجاء، ولملموا الجراح وعادوا إلى بلدتهم سنة 1993، وباشروا بإعادة إعمار بيوتهم واستصلاح أراضيهم وتشجير بساتينهم. وفي سنة 1996 اشتروا عقاراً وبدأوا ببناء كنيستهم هذه وصالتِها وبيتِ كاهن الرعيّة، واستحدثوا ساحاتٍ أمامها. وسار أمامهم ومعهم كهنةٌ تفانوا في خدمتهم وهم على التوالي المطران طانيوس الخوري والمرحوم الخوري الياس أبي حبيب، والخوري خليل أبو جوده، والخوري إيلي كيوان وصولاً إلى حضرة كاهنها الحالي الخوري مارون. واننا نتطلع الى اليوم الذي تكتمل فيه عودة جميع المهجرين لا سيما أبناء رعية بريح جارة الفوارة.
6. “أنت هو المسيح ابن الله الحيّ”. هذا هو إعلان إيمان بطرس الرسول، هذا هو الإيمان الذي تعلنونه أنتم يا ابناءَ الفوّارة، على مثال آبائكم وأجدادكم. إنّه مختصرُ إيماننا المسيحي، والمكوِّنُ لهوّيتنا التي نلناها بالمعمودية والميرون، والدّافعُ لرسالتنا في لبنان وبلدان الشّرق الأوسط.
فالمسيح ابن الله وابن الإنسان، هو إلهٌ كاملٌ وإنسانٌ كامل. وبالتّالي هو وحده وسيط الخلاص بين الله والبشر. وقد نال هذا الخلاص للجنس البشري كلّه بتجسّده وموته الفادي وقيامته من بين الأموات، ويمنحنا نعمة الخلاص بفعل الروح القدس وحلوله. وأنشأ الكنيسة كأداةٍ للخلاص الشّامل، ولا يمكن لقوى الشرّ تعطيلها أو تعطيل عمل الخلاص المؤتمنة عليه.
وهو المسيح، أي المُرسل من الله، نبياً وكاهناً وملكاً بامتياز. إنّه النبي بامتياز الذي يكلّم العالم بكلمة الله ويعلّمها، وهو الكلمة نفسُها.والكاهن بامتياز الذي يؤدّي العبادة لله ويقدّم ذبيحة الشكر والإستغفار، وهو نفسه، في آن، الإله المعبود والذبيحة المقدَّمة على صليب الفداء.والم
لك بامتياز الذي دشّن ملكوت الله على أرضنا، أي الشّركة العموديّة مع الله والأفقيّة مع البشريّة جمعاء، وهو نفسه هذه الشركة بألوهيّته وإنسانيّته، أو بكلام آخر هو الملكوت نفسه.
7. وكونه رأس جسدنا، فقد أشركنا، نحن أعضاء جسده، بواسطة المعمودية والميرون، في هويّة النبوءة والكهنوت والملوكيّة، ويأتمننا على رسالتها المثلّثة في الكنيسة والعائلة والمجتمع وشتّى الشؤون الزمنيّة.
في الوظيفة البنويّة، نحن مدعوّون لتجسيد قيم الإنجيل في الحياة العائليّة والإجتماعيّة، ونشهد للرّجاء بصمودنا بوجه المحن، ونعمل على تحويل واقع الحياة الإجتماعيّة إلى ما هو أفضل. في الوظيفة الكهنوتيّة، نجعل من أعمالنا وأتعابنا قرابين روحيّة، تسبيحاً لله الخالق، ونضمّها إلى ذبيحة الفادي الإلهي، فتصبح فعل عبادة لله. في الوظيفة الملوكيّة، نلتزم السعي إلى التغلّب على الخطيئة، وإلى إحلال العدالة والأخوّة والسلام ونجتهد في خدمة المسيح وإنجيله (رجاء جديد للبنان، فقرة 113).
لا يمكن للمسيحيين أن ينسوا هويتهم التي نالوها بالمعموديّة، وأنّهم أصحاب رسالة في لبنان وبلدان الشّرق الأوسط، إنطلاقاً من هذه الوظيفة المثلّثة. إنّ الإرشاد الرسولي حول مسيحيّي الشّرق الأوسط، “شركة وشهادة”، الذي سيوقّعه قداسة البابا أثناء زيارته إلى لبنان (14-16 أيلول)، ونحن نستعدّ وندعوكم لاستقباله والمشاركة في الإحتفالات، سيؤكد على هويّتنا ورسالتنا، ويبيّن التحدّيات والمخاطر التي نواجهها اليوم، وكيفية رفعها.
فينبغي أن يقودنا هذا الحدث وهذا الارشاد إلى “ربيع مسيحي” من شأنه أن يقدّم مساهمته في السعي إلى “ربيع عربي” حقيقي، يعيد للعالم العربي وحدته وتضامنه، ويُدخله في قِيَم الحداثة والعولمة، ويفتحه على التنوّع في الوحدة.
نصلّي اليوم من أجل إنجاح هذه الزيارة، ومن أجل أن ينقل إلينا الإرشاد الرسولي “ما يقوله الروح القدس لكنائسنا في هذا الشّرق”، راجين الدّخول في عنصرة جديدة، فيزرع الروح في جميع القلوب المحبّة والحقيقة.
للثّالوث المجيد، الأب والإبن والروح القدس نرفع المجد والتسبيح الآن وإلى الأبد، آمين.