حاوره روبير شعيب
روما، الاثنين 10 سبتمبر 2012 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي القسم الثاني من المقابلة مع المونسينيور بيوس قاشا، خوري رعية مار يوسف للسريان الكاثوليك في بغداد. قمنا بنشر القسم الأول نهار الخميس 6 سبتمبر 2012.
* * *
– لزيارة البابا إلى لبنان معانٍ مختلفة. ما هو انتظار المسيحي العراقي؟.
المونسينيور بيوس قاشا: قلوبنا تهتف لقداسة البابا بندكتس السادس عشر المالك سعيداً “مباركٌ الآتي باسم الرب”… إنها زيارة الرسالة، وما الرسالة إلا بذرة السلام التي يحملها قداسته ليزرعها في قلوب أبناء الشرق المعذب بمسلميه ومسيحييه. لا يمكن أن يستمر الصراع بين الشعوب، فقد عُرف قداسته _ بل عرّفتُه أنا في كتابين بجزأين أسميتهما “البابا بندكتس السادس عشر، بابا الحوار والسلام والمحبة”.
في زيارته نخلة العراق تعانق أرزة لبنان… بندكتس السادس عشر يعانق كنيسة الشرق ويحمل آمالها وآلامها، أفراحها وأحزانها، يحمل إليها عوناً وخيراً وسلاماً ويحمل منها حباً ووفاءً وشهادة.
نعم، نحن في العراق ننتظر هذا الحدث الإيماني، فبيروت أصبحت لنا مرجعية مقدسة، عبرها أنشدت وتنشد جميع كنائس الشرق الأوسط هنيئاً للآتي إلينا، وأهم انتظار كان حينما جسّدنا ذلك في لقاء خاص في رعيتنا مار يوسف للسريان الكاثوليك يوم السبت، الأول من سبتمبر (أيلول) 2012، حيث دعونا جميع الدرجات الكنسية والعلمانيين للمشاركة والاستماع لمحاضرة بمناسبة قدوم قداسة البابا إلى بيروت، وفيها شرحتُ مسيرة السينودس ورسالة الإرشاد الرسولي “شركة وشهادة”، وقد امتلأت حينها قاعة الكنيسة بالمؤمنين كما حضر مبعوث السفير البابوي في العراق وكان هناك مؤمنون من كنائس مختلفة غصّت بهم قاعة الاجتماعات وإنْ افتقرنا حينها إلى حضور اكليريكي… وقد تُوِّج اللقاء بتوزيع نسخ من كتاب “شركة وشهادة” على جميع الحاضرين والذي قمتُ بإعداده بهذه المناسبة.
فالزيارة بالنسبة لي أقولها إنها رسالة، بل إنجيل ثاني، كون الإرشاد الذي يوقّعه قداسة البابا ويسلّمه إلى الآباء الأجلاء ما هو إلا حقيقة إيمانية من أجل الربيع المسيحي، وما على المؤمنين إلا أن ينتبهوا إلى ذلك، فيكونوا حاملي رسالة كما هم حاملي بشرى الخلاص.
– ماذا تنتظر منها حضرتك؟.
المونسينيور بيوس قاشا: أنا شخصياً لي ثقة كبيرة بمجيء قداسة البابا بندكتس السادس عشر إلى بيروت… إنه المسيح الآتي ليتجول في شوارع الجليل والناصرة. فاليوم شوارعنا هي بيروت وفلسطين والعراق وسوريا ومصر وأخرى… يتجول فيها ليفتش عن المتألم والأبرص والجريح والأعرج… إنه يفتش عن مسيرة إيماننا. فاليوم كلنا نحتاج إلى أنجلة جديدة، وما إطلاقه سنة الإيمان إلا تتويج لهذه المسيرة السينودسية. فالشعب اليوم جائع إلى خبز الإيمان وماء الحياة، ومحتاج إلى مَن يحميه من الخطيئة والعولمة والضياع وفقدان الحرية وقبول الآخر… إنها خطايا تبيد الإنسان وتُبعده عن أخيه.
نعم، كان الانتظار يوماً ما ولكن لما تمّ ملء الزمان جاء قداسته إلى بيروت عاصمة القديسين والعظام، عاصمة الحياة، عاصمة العرب والتعايش، ليجسّد حقيقة المسيح الحي، الحامل لرسالة الإنسان في البشرى الجديدة… انتظاري هو ملء الزمان حينما أشارك في القداس الاحتفالي مع جميع الحاضرين… نعم، بالنسبة لي حدث ولا أجمل ولا أقدس!.
– ماذا يجب أن نتعلم كمسيحيين ومسلمين من زيارة يوحنا بولس الثاني إلى لبنان في عام 1997 لكي نعيش هذه الزيارة على أفضل وجه ونحصد جزيل ثمارها؟.
المونسينيور بيوس قاشا: إن زيارة الطوباوي يوحنا بولس الثاني إلى لبنان عام 1997 كان حينها شعبنا لا يزال يعيش مآسي حرب الخليج الثانية، وقد جثم على صدرنا الحصار القاتل الذي أنهك قِوانا اجتماعياً واقتصادياً وحتى كنسياً، حيث الكثير من النشاطات الكنسية قد خَمُدَ نارُها. وأما اليوم فكل شيء تغير، فالاحتلال قد غيّر وجه الوطن وفتح باب الديمقراطية المزيَّفة فحلّ ما حلّ فينا حيث الطائفية والعشائرية، وأصبحنا لا نبالي إلا بأنفسنا كقبائل في زمن الجاهلية، وأصبحنا نحن المسيحيين أقلية، والإرهاب أخذ مجالاً كبيراً في طردنا وتهديدنا وقتلنا ونهب بيوتنا وأملاكنا، وظهور الأصوليات أزادت في البليّة ألماً… ومع هذا فكنيسة الشهادة _ وإنْ لا زالت تعيش مرحلة الألم في درب الصليب _ ستبقة وفيةً لايمانها ، فمجيء قداسة البابا بندكتس السادس عشر إلى بيروت، ومن بيروت إلى شرقنا العزيز، ما هو إلا مجيء رجاء وأمل لأجيالنا الصاعدة وشبابنا، ولكن ما يجب أن نعمله هو أن نوعّي أنفسنا وأولادنا بأن الرب له رسالة خاصة لنا في هذه الأرض المباركة، وفيها خلقنا الله ولها أرادنا ، ورسالتنا اليوم ما هي إلا رسالة الحوار المثمر كما يقول السينودس، والثمار لا يمكن أن تُحصَد إذا لا نقوم بالاهتمام بالشجرة المثمرة. فثمار إيماننا تنضج بقوة عيشنا هذا الإيمان عبر الإرشاد الرسولي الذي يسلّمه إلينا قداسة البابا. فالمسؤولية ليست لرجال الكنيسة وحدهم فقط بل كلنا مسؤولون عن تجسد الإرشاد في مسيرة الإنجيل التي نحملها عبر بذرة الإيمان التي زرعها والدانا يوم عماذنا، فنكون بذلك أوفياء لهذه الرسالة وأمناء لكلمة البشارة. فالوفاء والأمانة في حمل الرسالة الخلاصية، بشارة الخلاص هذه، أطيب ثمار وأقدسها.