"فإِنَّ لُغَةَ الصَّليبِ حَماقةٌ عِندَ الَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الهَلاك، وأَمَّا عِندَ الَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الخَلاص، أَي عِندَنا، فهي قُدرَةُ اللّهُ"

عيد الصليب (لو 21: 5-11، 20-28)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم الأب منتصر حداد

        الموصل، الجمعة 14 سبتمبر 2012 (ZENIT.org). – لم يخل التاريخ من رجال ونساء عظماء كثر جاهدوا في سبيل تحقيق الحب والسلام بين البشر، رجال ونساء عاشوا وكرّسوا حياتهم ليجسّدوا الحب في حياتهم، فكانوا خبزاً يأكل ليعيش الآخرين…. رجال ونساء عاشوا في منطق اللامنطق… نعم، منطق اللامنطق، وهذا هو الصليب، “الضُّعْفَ مِنَ اللّه أَوفَرُ قُوَّةً مِنَ النَّاس وما كانَ في العالَمِ مِن ضُعْف فذاكَ ما اختارَه اللهُ ليُخزِيَ ما كانَ قَوِيًّا حتَّى لا يَفتَخِرَ بَشَرٌ أَمامَ الله“…. أليس هذا ضد تصوراتنا وتوجهاتنا ومنطقنا البشري؟

 لقد كان طريق الصليب غير منطقياً، فمنطق العالم يسير نحو الفردانية التي تخلق الأنانية وتخنق الفرد في ذاته فيكون فريسة لذاته، منطق العالم، وعالم اليوم خاصة، يتكلّم بمنطق القوة والتدمير والاستبداد والتسلّط على الآخر الضعيف، وكأننا وحوش.. نعم هنالك عطاء وبذل وحب، ولكن عجلة التدمير والانانية أقوى اليوم من أي يوم مضى..  أما منطق الصليب هو هذا، ان تحب قريبك وتبذل ذاتك من أجله، أي أن تعيش في الآخر وللآخر ومن اجل الآخر…

لم يوجد معلّم في التاريخ كلّه، بدل أن يعد أتباعه بالحياة المزدهرة والمفرحة والسلام والطمأنينة، نرى يسوع المسيح كمعلم وكقائد يعد أتباعه بهذا الكلام: “يبسط الناس أيديهم عليكم، ويضطهدونكم، ويجلدونكم، ويسلمونكم إلى المجامع والسجون، وتساقون إلى الملوك والحكام…. وسيسلمكم الوالدون والإخوة والأقارب والأصدقاء أنفسهم، ويميتون أناساً منكم، ويبغضكم جميع الناس” هل هنالك معلّم في التاريخ، هل هنالك زعيم في التاريخ، يعد أتباعه بهذا المصير المرعب والمهلك؟…

وها نحن اليوم نحتفل بعيد الصليب، نحتفل بان منطق الصليب السلبي، وخشبة العار، والملعون كل من كان يعلّق عليها، نحتفل بها كعلامة خلاص، نحتفل بها ونضعها على صدورنا متباهين بها، لأنها تتكلم عن الحب، فقط الذي يحب أن يبذل نفسه، أن يهلكها، هذا الشخص يستحق أن يضع صليب يسوع على صدره، لأن الصليب هو رمز الحب… خشبة الصليب تتكلم عن مغامرة الله الذي أراد الله ان يكون إنساناً، صديق الإنسان، عاش أحلك ظروف إنسانيتنا، الموت… على الصليب اختبر يسوع قوة الشر بكل مرارتها وشدّتها…. صرخ يسوع صرخة الإنسان البائس والمتروك من الكل…

        في الحقيقة، لا يمكننا فهم حياة يسوع نفسها إلا من خلال فعل التخلي عن الذات وإفنائها من أجل الآخر… وبالتالي لا يمكننا العيش كمسيحيين، لا بل كأناس، إلا من خلال تبني هذه القضية، أن تفني حياتك من اجل الآخر، ان تكون أنت أيضاً مصلوباً، هل تستطيع؟…

 نعم، إن الصليب علامة تضامن الله، لا بل استطيع القول، تضامن الله الذي هو إنسان اكثر منّا نحن الذين نسينا إنسانيتنا وأصبحنا وحوشاً ننحر بعضنا البعض.. نعم، في الصليب كشفت وظهرت معاناة العالم وكأنها عذاب الله نفسه، فالله كان حاضراً في الصليب وشارك الإنسانية كلها في معاناتها… ولا يزال وسيبقى مع كل متألم ومظلوم…… واليوم، علينا أن نتذكّر قول يسوع: “من أراد ان يتبعني، فلينكر ذاته ويحمل صليبه ويتبعني” احمل صليبك، ألمك ضيقك، وجعك، وسر بجانب يسوع، أي سر بمنطق الحب، ولا تستسلم للألم والموت، فأنت مخلوق بالرجاء… لا تستسلم إلى الموت والألم، لان يسوع الذي تتبعه أتى لتكون لنا الحياة، لا بل الحياة الأفضل… ترونا دوماً نتهرب من صلباننا، التزاماتنا، ونُحمّل صلباننا على الآخرين، ليفحص كلٌّ منّا ضميره إذن، على من وضعت أنا صليب حياتي؟….

إننا كمسيحيين وكأناس، مدعوين لأن نلتقي بالآخر ونتحاور معه فنخفف من ثقل صليبه، لا ان نسكته ونتنكّر لحقوقه …… قد قيل عنّا (صليبيين) لأننا في فترة من التاريخ كوّنا جيوشاً ودولاً وتركنا يسوع وحاربنا وقتلنا الآخرين… علينا ان نكون صليبيين بمعنى الصليب الحقيقي، أن نزيل كل صراخ وانين وتنهد وولولة وبكاء ووجع وحزن… نحن مدعوون لان نمسح كل دمعة من العيون، فلا يكون للموت الكلمة الأخيرة، بل تكون سماء جديدة وارض جديدة، متحررة بالصليب، أي بالحب المطلق من أجل الإنسان…

إخوتي أخواتي، هل يا ترى نحن الذين نقول عن أنفسنا مسيحيين، هل نحن جديرين بأن نكون أتباع يسوع، أن نحمل صليب يسوع على صدورنا، أو أن نسمى مسيحيين نسبة إلى يسوع المسيح… هل تؤمن بان الذي وضعته على صدرك وعلامة الصليب التي رسمتها على نفسك، هل تؤمن بصاحبها، أم أنت منافق كاذب تقوم بأعمال لا معنى لها؟  ….. علينا ان نعيش اليوم بكل معنى الكلمة ما عاشه يسوع، وان نكون جديرين بمسيحيتنا وتباعتنا ليسوع، وان نقول لغاندي الذي قال: “خذوا مسيحيتكم وأعطوني مسيحكم” هل نستطيع ان نقول له ان يسوع المسيح في قلوبنا، علينا أن نجعل غاندي وكثيرين الذين أصبحنا أحجار عثرة أمامهم ان نعيش المسيح ونجعلهم يقولون: ” هنيئاً لكم، ما أعظم مسيحكم ومسيحيتكم” ..

هل نحن مستعدون لأن يكون منطق الحب والصليب مشروع حياتنا؟ إذا كان الجواب نعم، فلنسر إذاً، فلا وقت للانتظار. وإن كان الجواب لا، فويل لنا نحن قساة القلوب وغلاظ الرقاب، إن يسوع يريد قلباً من لحم ودم، يريد قلباً يعيش وروح تحيا بحب، تحيا بحب، تحيا بحب… آمين

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير