زيارة البابا إلى لبنان: مقابلة تقييمية مع المدير العام للمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن (1)

“الحرية الدينية هي تاج الحريات جمعيها”

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

حاوره روبير شعيب

الأردن، الجمعة 21 سبتمبر 2012 (ZENIT.org). – حملت زيارة البابا بندكتس السادس عشر إلى لبنان رسائل كثيرة للشرق الأوسط فثبتت المسيحيين في إيمانهم وشهادتهم للإنجيل، واستعرضت سلم القيم فوضعت على رأسها قيم الاحترام، السلام والحرية الدينية أم الحريات جميعها.

لم تكن الزيارة للبنان وحسب، بل كانت أكثر من غيرها من الزيارات مسكونية وإقيليمية.

على أقل من أسبوع من انتهاء الزيارة أرادت زينيت أن تسمع لوقع صداها الذي ما يزال حيًا في تحليل خبير إعلامي شارك في الحدث عن كثب وهو الأب رفعت بدر.

الأب رفعت بدر هو كاهن أردني من كهنة البطريركية اللاتينية، رئيس تحرير ومؤسس موقع أبونا الالكتروني – إعلام من أجل الانسان، والمدير العام للمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن.

* * *  

– عيون العالم العربي كانت شاخصة إلى زيارة البابا إلى لبنان. حضرتك تأتي من بلاد منفتحة دينيًا ولكنها ذات أكثر مسلمة. هل تعتقد بأن زيارة البابا كانت على مستوى التوقعات غير المسيحية؟ هلا ذكرت لنا ردود فعل جديرة في هذا الصدد؟

التوقعات قبل الزيارة كانت متشائمة جداً ومحبطة نوعا ما، أولاً حول حدوث الزيارة أم لا. كان هنالك تركيز على ” صعوبة ” إنشاء زيارة كبيرة بهذا الحجم، نظراً للتوترات في المنطقة العربية وفي لبنان كذلك. لكني أعتقد بأن الأجواء كانت على الفاتيكان والكرسي الرسولي وشخص البابا أهدأ بكثير منها قبل زيارته عام 2009 إلى الأردن والأرض المقدسة. في ذلك العام كانت التأثيرات الكبيرة ما زالت حول محاضرة البابا في ألمانيا ( 12 سبتمبر 2008 ) وكان هنالك دعوات له ليقدم اعتذاراً صريحاً قبل أن تحط طائرته في أرض المطار.

برأيي الشخصي، وكذلك ان كل متابع يرى بأن كل زيارة بابوية تقريباً، تُحاط بجملة من التأويلات والقراءات المسبقة والخاطئة…. حتى زيارته إلى اسبانيا العام الماضي للاحتفال مع شباب العالم باللقاء العالمي للشباب قد كان لها معارضون من داخل المجتمع الاسباني لكنها حصلت وبجمال كبير.

اليوم زيارة البابا إلى لبنان سبقتها تحليلات كثيرة، ومعظمها تشاؤمية كبيرة، لكن الذي حصل انّها جرت وبتنظيم رائع، وبخطاب لا يتوجه إلى المسيحيين فحسب، بل ويخص كل سكان هذه المنطقة من المسيحيين والمسلمين معاً.

ان المتابع للمقالات التي صدرت هنا وهنالك يرى حجم التأثير الإيجابي، وبخاصة في الداخل اللبناني، وفي اعطاء الأشقاء اللبنانيين بصيص نور بأن الوحدة بين كل مكوّنات المجتمع اللبناني ليست مستحيلة وانمّا هي ممكنة التحقيق ان وجدت الارادات الحسنة و المتناغمة.

– لقاءات بندكتس السادس عشر وخطاباته كانت كثيرة. كإعلامي مخضرم ما هي العناوين أو “الشعارات” القصيرة التي من خلالها تلخص زيارة البابا كنسيًا، مسكونيًا، إقليميًا وعلى صعيد الحوار مع الأديان؟

الشعار البابوي للزيارة كبير وواسع وذو دلالات فائقة، وهو يتشابه بالطبع مع شعار زيارته إلى الأرض المقدسة في 2009، حيث كان “طوبى للساعين إلى السلام”. واليوم شعار الزيارة إلى بلد الأرز ” سلامي أعطيكم”. ويدرك البابا من خلال “تكرار” هذا الشعار أن السلام ما زال عطش هذه المنطقة وأبنائها بدون استثناء.

كنسياً حملت الزيارة شعار “الشركة والشهادة” وهو عنوان الارشاد الرسولي الذي كان جوهرة الزيارة برمتها. أمّا مسكونياً فالشعار الممكن أخذه هو ما فتئ بطاركة الشرق يكرّرونه وهو “نكون مسيحيين في الشرق أو لا نكون”. ويمكن كذلك أن نشير هنا ليس إلى لقاءات قداسته مع ممثلي الكنائس والجماعات المسيحية، وإنّما إلى ما أطلقه أحد الشبان في ساحة بكركي عندما قال أمام البابا  “نريد توحيد الاحتفال بعيد الفصح المجيد، لنشهد لقيامة المسيح معاً”. وكأنه يطلب ثمرة ملموسة لزيارة البابا في توحيد الأعياد انتقالاً إلى توحيد القلوب والنيات.

أمّا اقليمياً فالشعار هو نبذ العنف من أي جهة كانت، وهذا هو التوازن الدائم في مواقف الكرسي الرسولي ، لا يأتي البابا الى أي بلد حاملا سيناريو سياسيا له وللمنطقة ، وانما يأتي نابذاً العنف وداعيا الى المحبة .

 وعلى صعيد الحوار بين الأديان، نستطيع أن نقول مع الارشاد الرسولي ان “الحرية الدينية هي تاج الحريات جمعيها” وممكن ، بل من الضروري، كما يطلب البابا أن تكون موضوعاً للحوار بين المسيحيين والمسلمين، ولكني أرى بأن الطريق ما زالت طويلة في بلداننا العزيزة للأخذ بمضمون الحرية الدينية الكامل والشامل الذي يتحدث عنه البابا اجل الطريق طويلة وشائكة وفيها منزلقات خطرة ،  لذلك قال في خطابه الاول في المطار: علينا ان نتحلى بالاعتدال والحكمة … 

– جاءت بعض مداخلات البابا مفاجئة وثاقبة في هذه الزيارة فقد تطرق لمواضيع مختلفة و “ساخنة” منها تهريب الأسلحة وتوزيعها، الحرب في سوريا، التعايش الإسلامي المسيحي في لبنان. وقد كانت تفشت أصوات قبل الزيارة تقول بأنها ستكون “سياسية”. ماذا تقول حضرتك؟

الزيارة هي رسمية أو زيارة دولة لرئيس دولة، وتهدف كما هو الحال في كل زيارة بابوية إلى تقوية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والقائمة منذ عام 1947، أي انها قائمة مع بداية تنظيم دبلوماسية الكرسي الرسولي الحديث.

لكن الحديث عن الزيارة “الرسمية” لا يعني بالضرورة انها سياسية، رغم انها كما ذكرتم في السؤال لا تخلو من الاشارات والايحاءات السياسية، الا ان المهم بالنسبة للبابا والكرسي الرسولي أن يؤكد على ان كرامة الان
سان هي فوق أي اعتبار أخر وان البابا ، كما قال للشباب السوريين في ساحة بكركي، يعرف معاناتهم ويصلي من أجلهم. وهذا هو بنظري موقف الكرسي الرسولي من أي قضية سياسية، لا يتدخل بالشؤون الداخلية، يريد أن تتوقف إراقة الدماء البريئة لكي يتمكن السوريون من بناء مستقبل وطنهم ومجتمعهم على أساس الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، كل انسان.

لقد لاقت الزيارة كما رأيت من الوفود المشاركة ومن كافة الأقطاب تقديراً واحتراماً كبيرين، لشخص البابا أولاً ولكلماته المعبرة والنابعة من حبه للإنسان وليس من أي مصلحة سياسية وكذلك لقد لمست من مجمل الاعلاميين والصحفيين المشاركين نظرة ايجابية ولم أقرأ في هذه الأيام أي سلبية في تحليل الزيارة أو فك رموزها وتعابيرها بطريقة عدائية . البابا في لبنان، كذلك الحال عندما أتى الى الارض المقدسة ، يعرف بأنه في وسط فوضى عارمة ، وكل طرف يريد شده اليه، لكن من جديد نقول رائع هو التوازن في الكلمات والاشارات التي تضمنتها زيارة البابا .

(سننشر القسم الثاني من المقالة نهار الاثنين 24 سبتمبر 2012)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير