حاورته آن كوريان
روما، الثلاثاء 16 أكتوبر 2012 (ZENIT.org).- ننشر في ما يلي القسم الثاني من المقابلة مع الأب بيار دومولان حول معلمة الكنيسة الجديدة، القديسة هيلدغارد دي بينغن. من الممكن مراجعة القسم الأول من المقالة في نشرة أمس الاثنين 15 أكتوبر 2012.
* * *</p>
ما الذي يجعل من القديسة هيلدغارد دي بنغن مصدر إلهام لكلّ امرأة؟
تمنح هيلدغارد النساء من مختلف العصور دلالة مزدوجة عن الحياة، أوّلاً التواضع، الذي نحتاجه جميعاً، فقد قبلت بأن يكون دورها مكملاً لدور الرجل بدون التفتيش عن التنافس معه، وهي تدعو النساء إلى إدراك مهمّتهنّ وهي تتصرّف “بأنوثة” على الدوام. في رسائلها، تكشف عن نعمة توعية الرجال وكشف النواقص فيهم وتحفيزهم ومجاراتهم في قراراتهم وبعبارة أخرى “تلدهم” في مهمّتهم. وهي تشدّد أنّ على المرأة أن تدفع الرجل ليكون رجلاً!
هل نجد اليوم شخصاً يحذو حذو هذه القديسة؟
هيلدغارد معاصرة لأنّها تدعونا إلى اهتمام حقيقي بالعالم الذي نعيش فيه وإلى وعي فيما يخصّ كرامتنا والمهمّة المناطة بنا في هذا العالم. وهو إذاً إدراك بالاهتمام بالبيئة وتدخّل في الحياة السياسية الحالية وإدراك لواجباتنا في الكنيسة… أعتبرها مثالاً للمسيحي الذي ينخرط في النشاط السياسي! هيلدغارد في عصرها تعمل في المجتمع ومن أجله وهي في الوقت نفسه، ولضرورة الأمر، راهبة بينيدكتية تدعونا إلى تحقيق توازن في الحياة وعدم الفصل بين الجانب المادي والنفسي والروحي بل جمعهم في احترام الشخص ككلّ واحترام أنفسنا أولاً. هي راهبة وامرأة صمت وصلاة ولاهوت وإيمان مسيحي وعمل الخير الذي لا يعتبر عملاً شاقاً. وهي باختصار امرأة للكنيسة، تحبّ المسيح والكنيسة وهي لا تستسلم إذ تتوّج دائماً بالصراحة والسلام والحياة الروحية.
ما الذي يجعل الرسالة الروحية مهمّة اليوم ولماذا أعلنها البابا “ملفان”؟
سأعطي أربعة أسباب رئيسية من ضمن الأسباب المتعددة:
– طبيعة الإنسان (الأنثرولولوجيا المسيحية): بالنسبة لهيلدغارد كما بالنسبة للاهوتيين في عصرها، فالإنسان هو جسد ونفس وروح وهو بالتالي وحدة لا تتجزّأ. هذه النظرة الدقيقة معاصرة وتترتب عليها آثار في الطب وأخلاقيات علم الأحياء وعلم النفس… فإنّ الرعاية المخصصة للجنين أو للإنسان في نهاية حياته والمعالجة الجينية وغيرها لا يمكن فصلها عن فكرة الأنثروبولوجيا ففي الحديث بين الأشخاص لا نعني الشيء نفسه عندما نتحدّث عن “الإنسان”! ولكن نجد أيضاً مهمّة الإنسان في العالم. عند هيلدغارد، الإنسان ليس تائهاً على كرة صغيرة تدور بأقصى سرعة حول نجمة صغيرة على حافة مجرّة بين ملايين المجرّات! إنّه عظيم ويملأ العالم فهو الوحيد المدرك! بمقدوره وحده تغيير مسار العالم! هيلدغارد تعترف للإنسان بكرامته.
– المعرفة العامة: كلّ ما يخصّ البشر يهمّها فاهتمامها لا يتمركز فقط داخل جدران الدير وهي ليست منغمسة في كتاب الصلاة. تحبّ كلّ ما يسمح للإنسان بعيش حياة أفضل وبالتقدم نحو الهدف الذي خلق من أجله. ترى الله في كلّ شيء وبالتالي تهتمّ بكلّ شيء! معرفتها موسوعية أو حتى أهم من ذلك، معرفتها “أكاديمية”.
– علم البيئة: تنبثق مسؤولية عن هذه النظرة إلى الإنسان وإلى الكون، ففي عملها نجد تناغماً بين الكرامة والمسؤولية. هيلدغارد تنبّه الإنسان من الظلم في حياة منحرفة تسخر من وصايا الله ومن حبّ القريب وهذا ما يدمّر الأرض والكون بأكمله. فإنّ جذور الشر التي تجتاح العالم موجودة في قلب الإنسان ومصير العالم يمرّ في تحوّل عميق ليس فقط على صعيد التصرّفات إنّما على صعيد القلوب أيضاً. في أوقات كثيرة عندما تتكلّم عن شرّ الإنسان المتفشّي في العالم، يبدو الأمر وكأنّها تصف عصرنا وتتحدث عن عواقب وخيمة سبق وواجهناها.
– أهمية المرأة. هيلدغارد ليست بنسوية ولا مطالبة بالمساواة… إنّها امرأة مؤنّثة! وكلّ عملها يتغنّى بمجد المرأة وليس فقط بمساواتها مع الرجل: فبالتواضع تتمركز في قلب المجتمع، هي لا تطالب بمركزها إنّما تحتلّه. إذا تنبّهنا إلى رسائلها المتعددة، نجد أنّها تتوجّه إلى الرجال وتعرف كيف تكلّمهم كامرأة حقيقية. لذلك يستمعون بدون نصائح: فهي لا تسعى إلى منافستهم ولكن إلى تكملتهم. إنّها تفرض على العالم وعلى سكّانه نظرة مختلفة يحتاجها الرجال. وهذا أيضاً هو مجد الله.