تابع الأب الأقدس يقول لقد تحدث يسوع مع الجميع، من دون تمييز، مع الكبار ومع المتواضعين، مع الشاب الغني والأرملة الفقيرة، مع المقتدرين والضعفاء، لقد حمل رحمة الله ومغفرته، شفى وواسى، وفهم، أعطى رجاءً وحمل للجميع حضور الله الذي يهتم بكل رجل وامرأة، كما يفعل أي أب صالح أو أم صالحة تجاه كل من أبنائهم. فالله لم ينتظر كي نذهب إليه، بل أتى إلينا، من دون حسابات ومعايير. عاش يسوع الواقع اليومي للناس العاديين: لقد تأثّر أمام الجمع الذي بدا كقطيع بدون راع، لقد بكى أمام ألم مرتا ومريم لموت أخيهما لعازر، لقد دعا العشار ليكون تلميذًا له، وعاش خيانة صديق. بيسوع أعطانا الله اليقين بأنه معنا وفي وسطنا. “إن للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكارًا، وأما ابن الإنسان فليس له ما يضع عليه رأسه” (متى 8، 20) فيسوع لا بيت له لأن بيته هو الناس، ورسالته أن يفتح للجميع أبواب الله وأن يكون حضور محبة الله.
أضاف الحبر الأعظم يقول نعيش في أسبوع الآلام قمة هذه المسيرة، ومخطط الحب هذا الذي يجول في كلّ تاريخ العلاقات بين الله والبشريّة. دخل يسوع أورشليم ليتمم الخطوة الأخيرة التي بها يلخّص وجوده بأكمله: ليعطي ذاته بكليّتها. فابن الله قدّم ذاته لأجلنا، وسلّم جسده ودمه بين أيدينا ليكون دائمًا معنا ويسكن في وسطنا. فيسوع لا يعيش هذا الحب الذي يقوده إلى التضحية كقدر مُحتّم ولا يخفي اضطرابه البشري العميق أمام الموت القاسي ولكنه يستسلم بثقة تامة للآب. لقد أسلم يسوع ذاته بحريّة للموت ليجيب على محبة الله الآب وباتحاد تام مع مشيئته ليظهر لنا حبّه. فيسوع على الصليب قد “أحبّني وضحّى بنفسه من أجلي” (غل 2، 20).
تابع البابا فرنسيس يقول: ما معنى كل ذلك لنا؟ هذا يعني أن هذه الدرب هي أيضًا دربي ودربك ودربنا. أن نعيش أسبوع الآلام بإتباع يسوع يعني أن نتعلّم أن نخرج من ذواتنا للقاء الآخرين، أن نذهب نحن أولاً نحو إخوتنا وأخواتنا، لاسيما أولئك البعيدين والمنسيين والأكثر حاجة للتفهم والمؤاساة والمساعدة. عيش أسبوع الآلام هو الدخول في منطق الله، منطق الصليب، منطق الحب وهبة الذات التي تعطي الحياة. إنه دخول في منطق الإنجيل، فإتباع المسيح ومرافقته والمكوث معه يتطلّبون “خروجًا” من الذات. وأضاف البابا يقول: قد يقول لي البعض: ” أبتي ليس لدي وقتًا”، أو “لدي الكثير لأقوم به”، أو “إنه أمر صعب”، أو “ماذا باستطاعتي أن أفعل بقواي الضعيفة وبخطيئتي؟ غالبًا ما نكتفي ببعض الصلوات، أو بقداس الأحد من فترة إلى أُخرى أو ببعض أعمال المحبّة ولكننا لا نتحلّى بالشجاعة للـ “خروج” لحمل المسيح. بذلك نشبه القديس بطرس، فما إن تكلّم يسوع عن آلام وموت وقيامة، حتى انفرد به بطرس وأخذ يعاتبه، لأن ما قاله يسوع لا يتناسب مع الفكرة التي كوّنها التلميذ عن المسيح. فالتفت يسوع إلى التلاميذ وتوجه إلى بطرس بأحد أقسى التعابير التي نجدها في الأناجيل: “اذهب عني يا شيطان، لأن أفكارك ليست أفكار الله، بل أفكار البشر” (مر 8، 33). الله يفكر دائمًا برحمة، إنه الأب الرحيم، يفكر كأب ينتظر عودة الابن ويخرج إلى لقائه عندما يراه آتيًا من بعيد. فالله يفكر كالراعي الذي يعطي حياته لليافع عن خرافه ويخلّصهم.
ختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول: إن أسبوع الآلام هو زمن نعم يعطينا إياه الله لنفتح أبواب قلبنا وحياتنا، رعايانا ومنظماتنا لـ “نخرج” للقاء الآخرين، لنقترب منهم ونحمل نور وفرح إيماننا. أتمنى للجميع أن يعيشوا هذه الأيام بإتباع الرب بشجاعة، حاملين في داخلنا شعاع محبّته للذين نلتقيهم.