كيف ذلك؟
فلنفكر بكنه جهنم. (ولن أدخل هنا في شرح عن مصدر الكلمة، الذي كما نعرفه، تشير إلى وادٍ في إسرائيل يعرف باسم وادي هنوم، وكانت تحرق فيه النفايات). جهنم بمعناها الروحي ليست مكانًا جغرافيًا نجده على غوغل مابس، بل هي حالة يعيشها الإنسان.
ما هو جوهر هذه الحالة؟ – هي حالة الانفصال عن الله. وقد قدم لي أحد الأصدقاء تشبيهًا ثاقبًا في هذا المجال إذ كتب: “هي كزجاجة ماء مرمية بالمحيط فيبقى الماء داخل الزجاجة دون الإتحاد بالمحيط”. يمكننا فهم جهنم بهذا الشكل: هي حب مريض، انطوى على الذات ولم يعد بامكانه الاتحاد بالحب الحق والمطلق، حب الله. فالحب المنطوي على الذات ليس حبًا بل هو عكس الحب، هو الأنانية.
ولكن أعود للمفارقة التي قلتها أولا: كيف يمكن لجهنم أن تكون برهانًا عن أن الله محبة؟!!!
من خصائص محبة الله هو أنه خلقنا أحرارًا. ولأنه يحبنا، يرفض أن يغتصب حريتنا وأن يفرض علينا ما لم نختره.
وحده حب الله يفسر كيف تمَكّن الإله الضابط الكل أن يخلق خلائق حرة تستطيع أن تقبله وأن ترفضه. وهذه هي المفارقة: لو لم يخلقنا الله قادرين على أن نقول “لا” لما كان لـ “نعم”ـنا أية قيمة. فالنعم القصرية ليست نعم بل أمر واقع لا تمتّ إلى الحرية والشخص بصلة. الله المحبة خلق خلائق حرة يمكنها أن تختاره أو أن ترفضه. وفقط لأنها تستطيع أن ترفضه، يمكننا أن نقول أنها تستطيع أن تختاره حقًا.
وعليه فهناك عدة عناصر تدخل في مغامرة الحب هذه: محبة الله – حرية الإنسان وخياره – احترام الله لخيار الإنسان. الأمر الأكيد هو هذا: لو كان الله صانع دمى “ماريونيت”، لما كان هناك خطر “جهنم”، ولكن بما أن الله خلق حريات حقة وحية لأنه إله محبة وليس مُفبِرك مصنوعات ميتة، فجهنم هي إمكانية كامنة في إرادة الإنسان.
بالطبع هذا الجواب يفتح الباب على أسئلة أخرى عديدة: من يدين الإنسان؟ هل هناك أحد في جهنم؟ هل يعقل أننا لا نستطيع أن نغير رأينا مدى الأبدية؟ سنجيب على هذه الأسئلة في حلقات لاحقة.