فقد تلقى المطران روني جنكنز، أمين سر مجلس أساقفة الولايات المتحدة الأميركية رسالة هامة وفريدة من نوعها تحمل توقيع السفير البابوي في البلاد، المونسينيور كارلو ماريا فيغانو، دعاه فيها إلى إعلام سائر الأساقفة والكهنة بضرورة الالتزام بموقف الكنيسة الرسمي والحَذِر تجاه ظهورات مديغورية.
والأمر الجدير بالاهتمام هو أن السفير البابوي يكتب بتكليف مِن – وبالتالي نيابةً عن – عميد مجمع عقيدة الإيمان، المونسينيور غيرهارد لودفيخ مولر، أي باسم السلطة العقائدية العليا في الكنيسة الكاثوليكية.
ماذا تتضمن الرسالة؟
تتضمن الرسالة تصريحًا وإعلامًا بشأن زيارة إيفان دراغيشيفيشإلى الولايات المتحدة، بصفته أحد "الرائين" في ظاهرة مديغورية، واللقاءات التي سيقوم بها في بعض الرعايا. وتشير الرسالة إلى أن برنامج الزيارة يصرح بأن دراغيشيفيش "سيتلقى بعض ’الظهورات‘ خلال هذه اللقاءات المنظمة" (!).
انطلاقًا من هذه المعطيات، يُذكر فيغانو - باسم مجمع عقيدة الإيمان - بموقف الكنيسة بشأن "ظاهرة مديغورية" والذي يعود إلى تقرير 10 نيسان 1991، مِنْ قِبَل أساقفة جمهورية يوغوسلافيا (سابقًا) حيث نقرأ: "انطلاقًا من الأبحاث التي أُجريت، من غير الممكن أن نصرح بأنه قد تمت ظهورات أو إيحاءات فائقة الطبيعة".
"وعليه – وهنا النقطة الأهم من رسالة فيغانو – لا يُسمح للإكليروس والمؤمنين بأن يشاركوا في لقاءات، محاضرات واحتفالات عامة تعتبر فيها هذه الظهورات أمرًا واقعًا".
كيف نفهم هذه الرسالة؟
فلنبدأ أولاً بإقرار سريع لموقف الكنيسة تجاه "الإيحاءات والظهورات الخاصة". نعرف أن هناك "الوحي العام" أي الوحي الذي نعرفه من خلال الكتاب المقدس والتقليد الحي. والكنيسة تقبل "الإيحاءات الخاصة" على أنها "لا تشكل جزءًا من وديعة الإيمان" أي أنها لا تشكل فرضًا يجب أن يُزاد بالضرورة على إيمان المؤمنين، وبشرط أن تحافظ هذه الإيحاءات والظهورات على "توجهها المطلق والحثيث نحو المسيح" (راجع تعليم الكنيسة الكاثوليكية، 67؛ وملخص التعليم، 10).
بتعابير أبسط: لا تنفي الكنيسة إمكانية وجود إيحاءات خاصة، ولكن ليس من واجب المؤمنين أن يقبلوا هذه الظهورات والإيحاءات لكي يعتبروا أنهم ملتزمين بكامل الإيمان الكاثوليكي. ونفهم هذه التعابير بشكل أفضل وأعمق على ضوء فكرة للقديس يوحنا الصليب، مستوحاة بدورها من مطلع الرسالة إلى العبرانيين: "في حين أن الله أعطانا ابنه، الذي هو كلمة الله الفريدة والنهائية، فقد قال لنا الله كل شيء ودفعة واحدة في كلمته هذه ولم يعد لديه شيء آخر يقوله لنا. لا بل يهين الله من يطلب إليه كلمات أخرى".
الإيحاءات الخاصة لا تزيد شيئًا على وديعة الإيمان. وقد حذر القديس بولس بأنه حتى لو أتى ملاك وبشر بإنجيل آخر غير ذلك الذي بشر به، فليكن محرومًا.
ولكن فلنعد الآن إلى موضوعنا. ماذا تقول الرسالة من جديد بشأن موقف الكنيسة الرسمي تجاه مديغورية؟
الكنيسة لا تصرح بحكمها الرسمي بشأن أية ظاهرة ما زالت جارية (كما ولا تصرح بشأن أي إنسان ما زال حيًا. الكنيسة لا تطوب القديسين إلا بعد موتهم). ولا تقبل "الإيحاءات الخاصة" بشكل رسمي إلا بعد انتهائها. وبما أن ظاهرة مديغورية ما زالت مستمرة، فمن باب الحرص والأمانة لممارستها الحميدة، لا تُصرح الكنيسة بشيء حتى الآن.
ولكن، في هذه الرسالة تصريح يذهب أبعد من الحذر وعدم الإعلان عن موقف من الظاهرة. فالرسالة تدعو المؤمنين والإكليروس لا بل تمنعهم من المشاركة "في لقاءات، محاضرات واحتفالات عامة تعتبر فيها هذه الظهورات أمرًا واقعًا". وهذه مستجدات هامة جدًا، فالرسالة تدعو لعدم إعطاء الفكرة المغلوطة التي تزعم بأن الظهورات باتت وكأنها مقبولة بشكل مبطن من الكنيسة.
هل هذا حظر للكنيسة الجامعة أو للكنيسة الأميريكية؟
الأمر ليس واضحًا من الرسالة. ولذا جوابنا يأتي من باب "التخمين" المنطقي. بما أن القرار لا يجب أن يُعتبر "استفزازًا" للمؤمنين الأميركيين، على الأرجح يتوجه الحظر إلى كل المؤمنين الكاثوليك في العالم.
جواب هذه المرة أطول من المعتاد، وربما لا يعطي جوابًا حازمًا... الأمر يعود لطبيعة المسألة ولا يحق لنا أن نركض أسرع من بطرس...