الموضوع ، بقدر ما هو مهمّا في حياة المسيحيّ المؤمن ، بقدر ما هو يخلقُ تساؤلات ٍ كثيرة ٍ وعثرات ٍ أكثر ، وقد يقفُ المسيحيّ أمام جدار كبير ٍ يصدّ عنهُ الفهم الحقيقيّ لنعمة وقرارات الله والمحبّة التي يكنّها للجنس البشريّ ، فلا يزالُ الإنسان يراوحُ في مكانهِ ويتضرّر ألما بسبب ، عدم إدراكِ بعضًا من أمور الحياة اليوميّة وكيف يمكنهُ أن يجعلها تتوافقُ مع ما يؤمن به في الكتاب المقدس أو في التعليم المسيحيّ الحيّ .. فيقوم بخلق ترهّات وأفكار وأوهام كثيرة في زاوية معيّنة من وعيه ، يستظلّ بأفكاره وأوهامه إلى أن يأتيَ يومٌ ، يقوم فيها ، بوضعها أمامَ ذاته ، وأمام الآخرين ، كمفاهيم ثابتة جامدة مؤكّدة ، بحسب ما يراهُ ضميره ، وتصيرَ مبدءًا حيّا يسيرُ بموجبهِ ولا يعود يرى في كلّ الطروحات اللاهوتيّة والنقاشات سوى كلامًا من تأليف أناس لا يفقهونَ شيئا لإنهم يطرحون نظريّات بعيدة عن الواقع الكتابيّ ، في تصوّرهم طبعًا ، ولهذا يصفونهم بأنهم بعيدون عن فهم نصوص الكتاب المقدّس ..
لا أريد أن أطيلَ عليكم لندخل في الموضوع فورًا ، كانت هذه مقدّمة بسيطة للموضوع ..
القول ُ الأساسيّ الذي ترتكزُ عليه كلّ الأقوال اللاحقةِ في موضوع موهبة النعمة للإنسان هو الآتي :
إنّ الله قد إختارنا ودعانا وقبلنا منذُ الأزل . إن الله قد بادرَ الإنسان بمؤازرة نعمته. قبلَ أن نسأل عن الله وعن نعمته ، قبل أن نبدأ المسيرة إليه ونجتهدَ في أن نكون أهلا له بحياة صالحة، بل قبلَ أن نأتي إلى الوجود على الأطلاق ، سبقَ الله بدافع محبّته فأختارنا وحدّد لنا أن نحيا في مشاركته ( وليس معنى هذا أنه حدّد لنا الأمور التي سنفعلها أو لا نفعلها ، كما يقول القدريّين والذين يؤمنون بالمكتوب على الجبين حتشوفو العين – فهذا لا علاقة له بالموضوع الآن) . إنه منذ الأزل ، كما جاءَ في مطلع الرسالة إلى الأفسُسيّن ، قد " باركنا الله بكلّ بركة ٍ روحيّة في المسيح "
" إذ فيه قد إختارنا عن محبّة من قبل إنشاء العالم ، لنكونَ قدّيسينَ بغير عيب أمامه ، وسبق فحدّد ، على حسب مرضاته ، أن نكونَ له أبناء بيسوع المسيح ، لتمجيد نعمته السنيّة التي أنعمَ بها علينا في الحبيب " أفسس 1 : 4 – 6
إذن ، هذا التعليم عن التحديد السابق ، يبدو لكثرينَ " فصلا مظلمًا " ، إذ إنهم يرونَ فيه ، محاولة ً جاسرة ً لإختراق سرّ الإرادة الإلهيّة المحجوب ْ. لكن ، الأمر هنا يتعلّق في الواقع بصورة تعبير أساسيّة في الأنجيل ، بالتالي " ببشارة صالحة مفرحة " تسند وتعزّي وتساعد.
فليس القصدُ من هذا التعليم ، أن " نتطاول بجسارة " على سرّ الإرادة الإلهيّة لإختراقه ، كما نخترق حرمة بيت لأحد ما " ! بل تأكيد اليقين من " أن الله في كلّ شيء ٍ يسعى لخير الذين يحبّونه ، المدعوّين بحسب قصده " روما 8 : 28 . بحيث لا شيء في هذا العالم يقدر أن يفصلنا عن محبّة الله التي في يسوع المسيح (روما 8 : 39 ) . هذه البشارةُ يمكن أن تكون السند الأخير في مضايقات هذا العالم ومآسيه وأوجاعه وآلامه ، وهي تقولُ إن الله في يسوع المسيح منذ الأزل عمانوئيل ، الله معنا ومن أجلنا ..
يتبعْ