تكلّمنا في الحلقة الأولى ، عن أنّ هو الذي إختارنا لخلاصه الشامل من الأزل ، ولقد قلنا أيضا ، أننا لا يمكنُ أن نتجاسرَ وندخل ونخترقَ الإرادة الإلهيّة ، بصورة قد تشوّه صورة الله الحقيقيّة فينا ! .. بل تأكيد اليقين من أنّ الله في كلّ شيء يسعى للخير للذين يحبّونه ُ المدعوين بحسب قصده (روما 8 : 28).
هذه البشرى الصالحة والمفرحة ، تنطبقُ في الأساس على جميع الناس. إنّ إرادة الله الخلاصيّة هي " شاملة " . فالله " يريدُ أن جميع الناس يخلُصون ويبلغون إلى معرفة الحقّ (1 تيمو 2 : 4 ). وهو (الله) لا يريدُ موت الخاطئ أبدًا ، بل الحياة لهُ ، والتوبة الدائمة (1 بط 3 : 9) .. هذه الشموليّة في إرادة الله الخلاصيّة قد أكّدها مرّة أخرى بشدّة المجمع الفاتيكاني الثاني إذ يقول:
" ذلك بإن الذينَ ، على غير ذنب منهم ، يجهلونَ إنجيلَ المسيح وكنيسته ، ويطلبونَ مع ذلك الله بقلب صادق ، ويجتهدونَ بنعمته أن يتمّموا في أعمالهم إرادته كما يُمليها عليهم ضميرُهم ، فهؤلاء يمكنهم أن ينالوا الخلاص الأبديّ. وكذلك الذين ، على غير ذنب منهم ، لم يبلغوا بعدُ معرفة َ الله معرفة ً صريحة ً ، وإنّما يجتهدونَ ، لا بمعزل عن مؤازرة النعمة ، أن يسلكوا مسلكا مستقيمًا ، فإنّ العناية الإلهيّة لا تحبس عنهم المساعدات الضروريّة لخلاصهم . ذلك بإنّ كلّ ما فيهم من صلاح وحقّ هو في نظر الكنيسة تمهيدٌ للإنجيل ، وموهبة من ذاك الذي يُنير كلّ إنسان لكي تكون له الحياة أخيرًا " (ف ك 16) .
إنّ القول بإختيار الإنسان ، كلّ إنسان ، وبدعوته ، يعني أنّ الله يقبل كلّ الإنسان بصفة كونه إنسانا ويحملهُ على محمل الجدّ. لذلك يريد من الإنسان " جوابه " الحرّ وموافقته . أجل ، إنّ الله ، بدافع من محبّته اللامتناهية والأزليّة ، يعلّق تحقيقَ إرادته الخلاصيّة بحريّتنا . وهذا يعني أننا نستطيعُ بـــ " ذنبنا " أن نفقدَ أيضا الخلاص .. (الخلاص ليس عملا سحريّا يقوم به الله لنا من دون أن نحرّك ساكنا ، ومن يفكّر بهذه الطريقة ، يعطي للإيمان المسيحيّ صورة ساخرة كاريكاتوريّة للحقيقة الإنجيليّة ولحقيقة ما أتى به الإبن لنا .. الخلاص لا يمرّ من فوق رأس الإنسان وهو لا يحرّك أيّ ساكن فيه كجواب لنداء الله له !) .
التحديد السابق بالمعنى الحصريّ ، لا ينطبقُ بالتالي إلا على الذينَ ، بمؤازرة النعمة الإلهيّة ، يحصلونَ أيضا على الخلاص الأبديّ.
يتبع .. سنرى في الحلقة 3 .. كيف تُصان أوليّة الله المطلقة عندما تتعلق فعاليّة عمل الله الخلاصيّ بموافقة الإنسان ... وسنرى النظرية الجبريّة التي ظهرت في القرنين التاسع عشر والسادس عشر التي تقول : بإن البعض مختارٌ منذ الأزل للخلاص ، والبعض الآخر للهلاك ..! كونوا معنا دائمًا