التحديد السابق الأزليّ للخلاص من قبل الله

الحلقة 3

Share this Entry

من دواعي الأسف ، أنّ هذه البشارة الصالحة كثيرًا ما إمتزجت في القديم ببشارة رعب مثيرة للقلق . إنطلاقا من القديس أوغسطينوس معلّم النعمة ، وبالإستناد إلى بعض أقوال الكتاب المقدّس عن قساوة قلب بعض الناس ( خر 7 : 3 ، 9 : 12 ، أش6 : 10 ، مر 4 : 12 ، روم 9 : 18 ) ، وبخاصّة إلى أقوال بولس الرسول في روم 9 : 11 ، إنتشرت نظريّة جبريّة تقول بإنّ البعض مختارٌ منذ الأزل للخلاص ، والبعض الآخر غيرُ مختار . وغالبًا ما زعمَ أصحابُ هذه النظريّة أنهم يعرفون أنّ العدد الأصغر من الناس فقط مُحدّد للخلاص ، فيما العدد الأكبر (حصة الأسد ! )  هو من جمهور الهالكين ..

 بيد أن الكنيسة رفضتْ هذه النظريّة القاتلة ، في التحديد السابق (سواءٌ عند الراهب غوتّشالك في القرن 9 ، أو عند كلفين في القرن 16 ) القائلة ” إنّ الله قد حدّد مسبقا بفعل إرادة منه بعضَ الناس للهلاك. وفي هذا ، أثبتت الكنيسة ” أنّ الله القدير يريد أن يخلص جميع الناس بدون إستثناء ، حتى ولو لم يخلص الجميع في الواقع ” ..

إذن ، أن يخلُصَ البعض (فهذا هبةٌ من المخلّص ) ، أمّا أن يهلكَ البعض الآخر ( فهذا ليس ذنبَ الله ، بل ذنبَ الذين يهلكونَ )… فبما أنّ النعمةَ أمامي وأنا بدوري أستطيعُ أن أتعاملَ معها في مجالات الحياة الكاملة بقوّة وشجاعةٍ وطموح ، لإنها هبة وعطيّة من الله الآب ، وعليّ أنا ” كإبن له ” حاصلا على نعمة التبنّي والميلاد الثاني ، أن أستثمرَ هذه الطاقات الكبيرة في بناء المجتمع والملكوت السماويّ .. ولكن ، من الجهة الأخرى ، إن لم أحرّك ساكنا لتفعيل هذه الهبة الإلهيّة المجانيّة في عمل خدمات لخلاص الآخرين بكلّ حبّ وتواضع ، فهنا دورُ الحريّة الإنسانيّة ، لهذا فإن كانت النعمةُ لا تعملُ (ليس ذنب الله ، بل ذنب الإنسان ورفضهِ وكسلهِ )..

إنّ المسيح لم يمتْ فقط من أجل المختارين ، ولا حتى من أجل المؤمنينَ وحسبُ ، بل من أجل جميع الناس (دنتسنغر 2005 ، 2304 )  . لذلك يُقال : النعمةُ الكافيةُ تُعطى للجميع ، ولكنّ النعمةَ لا تصير فاعلة في الجميع (كما قلنا أعلاه ) .. فدور الإنسان وإختياره وقبوله مهمٌّ جدا ..

ومع ذلك ، هذه التحديدات والشروحات ، وإن كانت صحيحة في ذاتها ، لكن لا تحلّ المشكلة . إذ يبقى السؤال المهمّ : كيف تُصان بعدُ أوّلية الله المطلقة ، عندما تتعلق فعاليّة عمل الله الخلاصيّ بموافقة الإنسان ؟

وبعكس ذلك ، ألا يجبْ ، بالحريّ ، إلقاءُ مسؤوليّة عدم وصول البعض إلى الخلاص على الله نفسه ، الذي يهب دون شكّ جميعَ الناس النعمةَ الكافية ، ولكنه لا يهبهم جميعًا النعمة الفاعلة ؟

إذن ، كيف السبيلُ إلى الجمع بين القولين : الله يريدُ ، من جهة ، الخلاص لجميع الناس ، وأن يكون هناكَ أناسٌ ، بذنبهم الخاصّ ، لا يحصلونَ على الخلاص؟ كيف التوفيقُ بين تحديد الله السابق والحريّة الإنسانيّة ؟؟ سؤال آخر مهمّ يُطرَح دائمًا ، سنرى الإجابةَ في الحلقة الرابعة كونوا معنا دائمًا ..

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير