أتأمّل ، بإنّ ليسَ فقط يستحيلُ الخبزَ والخمر َ ، إلى جسدَ المسيح ودمه ، بكلام التقديس وحلول الروح القدس ، بل ؛ إنّ الإنسانيّة كلّها ، تتحوّل هنا بقوة الروح لنعمة الألوهيّة ، ورفعها لسموّ إلهيّ وتمجيدًا للجسد والتراب .. فليس فقط ، هنا ، يسوع الناصريّ بكلّ حياته وأعماله وموته وقيامته ، بل ” أنا ” أيضا … لإن المسيح القائم هو كلّ البشريّة دامجًا إيّاها في الجسد السريّ ورافعها لمصاف الألوهيّة .. فجسدي ، وكياني ، ونفسي ، تسمو وتتعالى ، في هذه اللحظة الإلهيّة التي لا مثيل لها في كلّ الكون ، إنها لحظةُ التجسّد ، والموت ، والقيامة ، إنها المحبّة الإلهية الحالّة في الأرض وفي الإنسانيّة ، إنها لحظة ” قداس الكون ” وكما يقول تيار دي شاردان : قداس على مذبح العالم ..
الكونُ كلّه يتزعزعُ في هذه اللحظة، إنها لحظةُ ” ظهور الحقيقة وتجلّيها في وسط العالم ، إنها لحظةُ إكتشاف ما وراء هذا العالم ، إنها إنكشافُ وتجلّى العالم الآخر .
إنّ هذا العالم في مخاضّ كبير ، إلى أن يصل لولادة الألوهية في البشريّة تدريجيّا ، بإعلانها علانيّة على الملأ .. رغمَ إنها موجودة ولكنها مخفيّة مثل البذرة الصغيرة في طور النموّ … هذه الذرّة الترابيّة ، لها مكانٌ عند الله ، ولقد قامَ الإبن ، فأنا سأقومُ معهُ .. الله هو الوحيد القادر أن يصنعَ من الأرض سماءً ، ومن العظام المبعثرة ِ ، إنسانا جديدًا كما يقول في سفر حزقيال النبيّ .. إنها الإله الحيّ ، إله الأحياء لا إله الأموات .. لهُ المجدُ إلى أبد الأبدين آمين ..
:___
إقبَل يا رب هذه القربانة التامّة الّتي تُقدّمها لكَ الخليقة، العاملة بفعل جاذبيّتكَ لها، والّتي تُقدّمها لكَ في هذا الفجر الجديد. هذا الخبز، جُهدَنا، وهو ليس في حدّ ذاته سوى أجزاء متفكّكة إلى أقصى حَدّ، وأنا أعلمُ ذلك. هذا الخمر، آلامنا، وهو أيضاً، للأسف، ليس إلا شراباً يتحلّل. لكن في عمق هذا الجمع الّذي بلا صورة، وضعتَ رغبةً مُقدِّسة لا تُقاوم، تجعلنا نصرخ إليكَ جميعنا، من الكافر إلى المؤمن: «يا ربّ، اجعلنا واحداً».
هذه الصلاة الجميلة :
(من كتاب نشيد الكون): تيّار دو شاردان اليسوعيّ