تابع الأب الأقدس يقول: “أؤمن”، تشير هذه العبارة إلى عظمة الشيء، أي المعموديّة. في الواقع، بلفظنا لهذه الكلمات نحن نؤكّد هويتنا الحقيقيّة كأبناء لله، لأن المعموديّة هي نوعًا ما بطاقة هوية المسيحي ووثيقة ولادته. وفي الوقت عينه يرتبط بالمعمودية إيماننا بمغفرة الخطايا، لأن سر التوبة أو الاعتراف هو في الواقع “معمودية ثانية”، تعيدنا إلى معموديتنا الأولى لتثبتها وتجددها. بهذا المعنى يصبح يوم عمادنا نقطة الانطلاق في مسيرة توبة لمدى الحياة يدعمها باستمرار سرّ التوبة. فالاعتراف هو للمؤمنين ليحافظوا على نقاوة ثوب كرامتنا المسيحيّة! فهل ندرك بأن العماد هو في أساس حياتنا وعلاقتنا مع الله والإخوة ومسيرة توبتنا؟
العنصر الثاني، تابع البابا فرنسيس يقول، هو “معموديّة واحدة”، هذه العبارة تعيدنا إلى قول القديس بولس: “هُناكَ رَبٌّ واحد وإِيمانٌ واحد ومَعْمودِيَّةٌ واحدة” (أف 4، 5). فكلمة “معمودية” تعني حرفيًّا “تغطيس” وفي الواقع يشكل هذا السرّ غوصًا روحيًّا حقيقيًّا في موت المسيح لنحيا معه نحن أَيضًا حَياةً جَديدة (راجع روم 6، 4). إنها اغتسال لولادة جديدة وللاستنارة: لولادة جديدة لأنها تحقق فينا الولادة الجديدة من الماء والروح لنتمكن من دخول ملكوت الله(راجع يو 3، 5). للاستنارة لأنه بواسطة المعمودية تفيض مجددًا على الشخص البشري نعمة المسيح “النور الحق الذي ينير كل إنسان” (يو 1، 9) وتطرد ظلمة الخطيئة، وبقوة هذه الموهبة يُدعى المُعَمَّد ليصبح هو نفسه “نورًا” لإخوته لاسيما لأولئك الذين يسيرون في الظلمة ولا يلمحون أيّ بصيص نورٍ في أفق حياتهم.
لنسأل أنفسنا إذًا: هل المعمودية بالنسبة لي هي مجرد حدث ماضٍ لم أعد أفكر به، أم أنها حقيقة حيّة تطال حاضري وكل لحظة من حياتي؟ هل أفكر أحيانًا بالهبة التي نلتها وبهذا الاتحاد العميق مع يسوع الذي ضحّى بحياته من أجلي؟ عندما أعيش أوقاتًا مظلمة حتى على الصعيد الداخلي وعندما أشعر بثقل الصعوبات وثقل خطاياي هل أتذكر بأنني مُعمّد؟ هل أكِلُ نفسي لمحبة المسيح الذي يسكن في عمق كياني؟
تابع الحبر الأعظم يقول: وأخيرًا نتوقف عند العنصر الثالث: “لمغفرة الخطايا”. بواسطة سرّ العماد تُغفر جميع الخطايا: الخطيئة الأصليّة والخطايا الشخصيّة وجميع عقابات الخطيئة. بالمعموديّة يُفتح لنا الباب لجدّة حياة فعّالة لا يسحقها ثقل الماضي السلبي، وإنما تتمتع منذ الآن بجمال وحلاوة ملكوت الله، وهذا هو تدخُّل رحمة الله في حياتنا لخلاصنا، لكن هذا التدخُّل لا يلغي طبيعتنا البشريّة وضعفها ولا يلغي مسؤوليتنا في طلب المغفرة في كلّ مرة نخطأ فيها. في الواقع علينا جميعًا أن نجاهد كل يوم ضدّ الشرّ والشيطان الذي يترصّد لنا دائمًا.
وختم الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول: لا يمكنني أن أعتمد مرات عدّة وإنما يمكنني أن أعترف وأجدد بهذا الشكل نعمة المعموديّة، فيكون بمثابة معمودية ثانية. الرب يسوع طيّب جدًّا ولا يتعب من مسامحتنا. وإن أُغلق، بسبب ضعفنا وخطايانا، الباب الذي تفتحه لنا المعموديّة للدخول في الكنيسة، يعيد سر الاعتراف فتحه لأنه كالمعمودية الثانية يغفر لنا كلّ شيء وينيرنا للسير إلى الأمام في نور الرب. لنسر إذًا هكذا إلى الأمام بفرح، لأن الحياة مع يسوع المسيح تُعاش بفرح، وهذه نعمة من الرب!