المرشد الروحي هو على مثال موسي المدعو أن يقود الشعب من ارض العبودية، من مصر إلى الحرية، إلى ارض الميعاد. هو موسى المدعو ان يقود الشعب من الصراع مع الخطيئة من الحزن والألم، من مصرائيم، أي مصر والتي تعني بالعبرية ارض الضيق والعذاب إلى ارض الميعاد، حيث يجد الإنسان الرب ، فيراه ويتأمله.
الإرشاد الروحي هو هذا الطريق في الصحراء، والذي لا يري فيه الشعب الرب، بل يرى بعض العلامات، ولكن قسوة الطريق قد تنسيه ما راه من الرب. فيتمرد ويرغب في العودة للخلف، وهنا يجب ان تظهر وداعة موسي، الأكثر وداعة بين بني البشر، حسب قول الكتاب. تلك الوداعة تكمن في معرفة المرشد لحالته الشخصية وضعفه وتمرده وخطيئته، وإدراكه ايضا إلى رحمة ومحبة الله المجانية، تلك التي فاقت تلك الخطيئة وأغرقت هذا التمرد في بحر العرفان والامتنان. من هنا تولد الوداعة، عندما يرى ويمسك المرشد واقعه الملوث بيديه ويرى من يدعوه يطهره وينقيه. فلا يحكم على الشعب، هكذا تعلم موسي، هكذا لا يتطلب من الشعب، بل يقوده بصبر، وبحسم تجاه معرفة الرب، تجاه ارض الميعاد.
نعم الوداعة التي هي من المسيح، حيث يقول تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب. هو الذي بلا خطيئة جعل من نفسه خطيئة لأجلنا، هو الذي بلا عيب، جعل من نفسه محتقر ومرذول وارتضي بان يعلق على خشبة ، نعم مات موت المجدفين، موت أعداء الرب. وهناك منحنا رحمة ومحبة. هذه هي الوداعة ، تعالوا وانظروا إنسان يقبل ان يأخذ على عاتقه إثم الآخرين، ويعتبره إثمه وشره هو، ولا يديره علينا، بل يمنحنا مكانه حياة، وطبيعة جديدة. هذا هو الوديع، هذا هو المرشد الروحي وعلاقته بمن يرشده.
هو التاجر الذي يأخذ منا شرنا ويعطينا مكانه حياة. فياله من تبادل عجيب، ياله من واقع غريب. ما من احد فعل معى هكذا، لا قريب، ولا حبيب، لا عزيز، ولا شقيق، وانا ما فعلت هذا قط بأحد، لكنه هو، يسوع المسيح، الوحيد الذي فعل هذا التبادل العجيب، معى ومعك ومع كل من يرغب فيه.
نعم هذا هو المرشد الروحي، لا كلمات، لا نصائح، بل كلمات ونصائح ملتحمة بفعل. فحياه المرشد مرتبطة بقدرته على الإرشاد .
وهنا نبدأ الحديث عن فن الإرشاد.
فللمرة القادمة