جسدُ المسيح .. هو كلامٌ ناطق وتأريخ وعلاقة

إنّ جسدَ المسيح، هو حدٌّ فاصلٌ بين التاريخ وبين الإيمان، فهو يحوي جميعَ التاريخ القديم، من آدم الى نوح الى موسى وكلّ أنبياء العهد القديم.. لانّه موسومٌ بنقطة تلاقي جميع الخبرات الحيّة مع الله، الذي كانَ يُعطي النِعَم والعطايا الكاشفة لهذه السلسلة الطويلة والضروريّة لتعدّد الخبرات والشهادات الإيمانيّة، تمهيدا لتجسّدٍ مستقبليّ ورجاءٍ خفيّ سيُعلن في تدبير الله الأزلي.

Share this Entry

فالجسدُ، هو لغةٌ، واللغةُ تستدعي الكلام الحيّ المنطوق (فلغة دون كلام هي كبتٌ وضياعٌ لحقيقة الإنسان). جسد الانبياء كان لغة إتصال بالخليقة (ولم نقل العالم والطبيعة)، لان القدماء في زمن العهد القديم، كانوا لا يفهمون العالم والطبيعة كما نفهمهما نحنُ الآن: طبيعة كونيّة فيزيائيّة…! بل “خليقة الله” التي هي من عمل الخالق ومرتبطةً به.

جسدُ الانبياء والآباء، كاشفٌ لعمل الله في العالم، بأعماله وأقواله وحركاته ومعجزاته وآلامه، وعندما نقول “جسد”، نقول الانسان كلّه، لا قطعةً مفصولةً عن نفسه وروحه، بل الانسان ذاته في علاقاته مع الآخرين والاتصال بهم. مع المسيح، أصبحَ الجسدُ مسكونٌ كلّه بكلمةٍ إلهيّةٍ، خلاصيّة ونهائيّة. وكما تقول الرسالة الى العبرانيين :”إنّ الله بعد ان كلّم الانبياء بأشكال شتى .. كلّمنا هذه الأيام بإبنه…” ومعنى “كلّمنا بإبنه”، نعرفُ أنّه لا توجد وسائط إتصال ماديّة بين الله وبين الإنسان، كأن نسمع صوت الله من فوق يدعونا ويرشدنا فهذا تصوّر أخرق وصبيانيٌّ. “كلّمنا”، أي هناكَ مصدرٌ ينقلُ الكلام الإلهيّ وهو الآب – النبع، وهذا المصدرُ صار حدث وتأريخ حيّ.. أي في جسدٍ إنسانيّ، الذي بدوره، أصبحَ جسدا حيًّا مسكونًا بكلامٍ إلهيّ، وهنا صارَ، الجسدُ، جسد المسيح هو “كلام الله الحيّ والكاشف والناطق للعالم وللتاريخ ولكلّ الأنبياء”، لانه حلقة وصلٍ رابطةٍ بين الاله وبين الإنسان، هو حدثٌ وكلام (تاريخ وكلمة) أو نقدر أن نقول (إن الكلام له تأريخٌ حيّ وليس شيئا قائما مجرّدا ونظريّا). فأصبحَ الكلامَ الالهيّ هو واقع حياة يسوع الناصري، وهذا الواقع الحقيقي تجلّى بأبهى صورهِ، من خلال كثافة السرّ الخفيّ في جسده القائم.

الجسدُ التاريخي المخلوق ليسوع المولود من رحم العذراء مريم، والجسد الممجّد الالهي للمسيح القائم من الموت، هو جسدٌ علائقيّ حرّ، يقدرُ أن يتّصلَ بالكون وبالعالم وبالانسان، لانّ الله حيٌّ وعلاقة حبّ وحريّة لا محدودة. هو الله ذاته، في يسوع المسيح وفي جسده السريّ، يعمل ويخلقُ دائما وأبدًا. فالله الآب، هو أب يسوع المسيح من الازل والى الأبد.

ولا ننسى، سرّ الكنيسة، التي هي جسد المسيح السريّ العظيم، وتكون الكنيسة سرٌّ كاشفٌ، من خلال الجماعة المؤمنة الذين تربطهم آصرةُ جسد المسيح الكوني الحاوي كلّ كنور الحكمة والعلم، والجامع لكلّ ما هو ممزّق ومقسّم لرفع عيون الجماعة المسيحيّة المؤمنةُ الى النظر والتحليق لاستباق وليمةَ الملكوت اللامنظورة من خلال سرّ الافخارستيّا المنظورة في القدّاس.

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير