“فرح الإنجيل يملأ كل ومجمل حياة الذين يلتقون بالرب يسوع. من يقبل خلاصه يتحرر من الخطيئة، من الحزن، من الفراغ الداخلي، من العزلة. فمع يسوع يولد الفرح دومًا ويولد من جديد”، بهذه الكلمات يفتح البابا فرنسيس الإرشاد الرسولي الأول لحبريته بعنوان “فرح الإنجيل”. وقد شاء البابا تقديم هذا الإرشاد كخارطة طريق جديده، طريق التبشير المطبوع بالفرح.
يسلط البابا في مقدمة الإرشاد الضوء على الخطر المحدق بالعالم الحالي والمتمثل بكثرة “عروض الاستهلاك” الذي هو حزن انعزالي وانفرادي ينبع من قلب منغلق وبخيل يبحث بطريقة مريضة عن اللذات السطحية.
وبما أن كل مسيحي معرض لهذه التجارب، التي لا توافق دعوة الرب، دعا البابا كل المسيحيين في كل مكان وحالة حياة لكي يجددوا اليوم لقاءهم الشخصي بالرب يسوع.
من يقوم بمجازفة قفزة الإيمان، لا يخيبه الرب، “فعندما يقول أحدنا بخطوة صغيرة نحو يسوع، يكتشف أن يسوع كان ينتظر وصوله وذراعاه مفتوحتان”.
وذكر البابا بالكلمات التي افتتح بها حبريته في التبشير الملائكي الأول: “الله لا يكلّ أبدًا من الغفران، بل نحن نَكِلّ من طلب رحمته”. فمن يدعونا لكي نغفر سبعين مرة سبع مرات يقدم لنا المثال أولاً. وما من أحد يستطيع أن ينزع من حياتنا الكرامة التي يفيضها علينا حب الله اللامتناهي والذي لا يزول.
ثم تحدث البابا عن موضوع الفرح في العهد القديم الذي سيضحي فائضًا في الأزمنة المسيحانية، إذ يتحدث أشعيا النبي عن “تكثير الفرح والحبور” في الزمن المسيحاني (أش 9، 2). ولذا يدعو الشعب للتهليل بالرب وللإنشاد. وكذلك الأمر ي كتب أخرى مثل كتاب النبي زكريا وكتاب النبي صفنيا، إلخ.
والإنجيل، حيث يشع صليب الرب المجيد، يدعو بإصرار إلى الفرح انطلاقًا من بشارة مريم التي تبدأ بـ “افرحي”. وكذلك زيارة مريم إلى أليصابات. ويسوع بالذات يتهلل فرحًا (راجع لو 10، 21) ويشرح لتلاميذه أن مجيئه هو لملء الفرح.
في هذا الإطار انتقد البابا موقف بعض المسيحيين الذين يعيشون أسلوب حياة أشبه بـ “زمن صوم دون قيامة”. ورغم اعترافه بأنه لا يمكن عيش نفس مستوى ونوع الفرح في الحياة، إلا أنه شدد على أنه لا يمكننا أن نربط فرحنا دومًا بتوفر شروط خارجية واعترف البابا بأن الأفراح الكبرى التي رآها في حياته هي أفراح أشخاص فقراء لم يكن لديهم شيئًا. الفرح المسيحي ينبع من اللقاء الشخصي بيسوع المسيح، لقاء يضحي “صداقة فرحة”.
وانطلق الأب الأقدس في مقدمته إلى الحديث عن الفرح الذي يتولد من التبشير مذكرًا بأن طبيعة الخير هي أن يعطي ذاته للآخرين. فالحياة تتقوى عندما نعطيها. وفي هذا الصدد، لا يجب أن يكون للمبشر “وجه مأتم”، بل يجب أن يتجدد فيه روح الحماسة والاتقاد المقدس.
أما في ما يتعلق بمحور التبشير فهو المحور الأبدي عينه: الله الذي بين حبه اللامتناهي في المسيح المائت والقائم. فهو يجدد مؤمنيه دومًا. المسيح هو “الإنجيل الأبدي”، هو شاب دومًا ومنبع لا ينضب من التجديد.
ورغم أن مهمة التبشير تتطلب منها التزامًا سخيًا، إلا أنه لمن الخطأ أن نعتبرها “عملا بطوليًا فرديًا”، فهي قبل كل شيء عمل الله. انطلاقًا من هذا الوعي يجب أن ينطلق عمل التبشير الجديد إلى الخارج وإلى الداخل، داخل الجماعة المسيحية حيث هناك أشخاص معمدين إلا أنهم لا يعيشون بحسب معطيات معموديتهم. وذكر بهذا الصدد أن الكنيسة تمنو بمفعول الجاذبية، أي بمفعول جمال إيمان المسيحيين وعيشهم له.
واستعان البابا هنا بملاحظات أساقفة أميركا اللاتينية الذين ذكروا بأنهم لم يعد بإمكاننا أن نبقى راكدين وهادئين داخل كنائسنا، بل يجب أن ننتقل من “رعويات المحافظة إلى رعويات التبشير”.
(يتبع)