هكذا يؤكد انسلم جرون في كتابه ( الإرشاد الروحي حسب الآباء). نعم الصلاة هي بعد أساسي في الإرشاد الروحي، ولكن هنا المقصود صلاة المرشد. فالمرشد بصلاته للرب يستنير إلى سبب الم الشخص وسبب مرضه الروحي أكثر من السماع اليه. فالرب يلهم سبب المرض للمرشد في صلاته.
ففي الصلاة يصبح المرشد أكثر إدراكا وتحررا حتى من الأفكار التي قد يبنيها عن من يستمع اليه. وفي الصلاة أيضاً يتحدث المرشد مع الله عن الشخص وهذا يفوق أهمية من كثرة الكلام للشخص عن الله.
القديس باخوم يصلي فيقول: يارب، أوصيت ان نحب ألإخوة ، انت تعرف يارب أعماق قلبي، فخلص انت هؤلاء الأخوة وافديهم. امنحهم مخافتك، فيعرفوا قدرتك الإلهية. انا متالم من أجلهم ولكن انت الوحيد القادر ان تخلصهم. (هوس بير، اباء الصحراء، ١٣٩).
بالصلاة يصبح المرشد فعلا اب للشخص، ومرتبط معه ارتباط أعمق من الحياة نفسها. حتى بعد الموت يتشفع له أمام الرب، ويذكره ويصبح له كملاك حارس. (أقوال الاباء، ٣٥، ١٠٨).
كثير ما في لقائنا نركز على أهمية الصلاة للشخص الطالب للإرشاد وهذا أساسي. ولكن اعترف ، قليلا ما ركزنا على صلاة المرشد نفسه للرب من اجل الشخص وأهميتها.
أرى ان هذا البعد يفتح الإرشاد من بين شخصين: المرشد والشخص، إلى البعد الثالث والاهم، الرب. حيث هو المرشد الحقيقي، والملهم، وطبيب النفس.
ناحية أخرى هامة في الإرشاد الروحي عند الآباء هي مشاركة المرشد للشخص. مشاركة حقيقية حتى في آلامه وأيضاً في عاقبة معصيته. كيف؟
يذهب راهب شاب إلى المعلم لوط، احد الآباء، ويقول له أخطأت ولا استطيع ان أتحمل عاقبة خطيئتي، فهي أثقل مني. فيقول له المعلم : اذهب إلى قلايتك وصم يوم والآخر لا لمدة ثلاثة أسابيع وانا سأصوم عنك اليوم الآخر لنفس المدة. وبعد ثلاث أيام اظهر الرب للمعلم ان خطيئة الراهب قد غفرت. ( أقوال ٢: ٣١١).
المرشد عند ألآباء ليس فقط بمعطي النصائح ولكنه مشارك للشخص. فهو يأخذ معه عاقبة الخطيئة. يشاركه وبذلك يعطيه حياة، فيصبح اب له بالفعل.
انسلم جرون يقول: من الصعب ان نتفهم كيف يشارك شخص في عاقبة خطيئة شخص آخر وهكذا تغفر له. ولكن الحب والمحبة للمرشد قادرة ان تغير قلب الشخص. وألام المرشد تصبح صورة لآلام المسيح الفادي. والتي قادرة ان تخلص من هو ضعيف. فالبعد الجماعي للتوبة والمحبة قادر ان يغير كثيرين.
وفي نفس الوقت لا يجب على المرشد ان يأخذ مكان الشخص في القرار. فالمرشد دوره الأساسي هو ان ينير الشخص على أفكاره ويضعها أمامه ويجعله هو الذي يقرر. كثيرين يبحثوا في المرشد عن دليل يدلهم ماذا يجب فعله الان وهنا .
يذهب احد الرهبان إلى المعلم بويمنيوس ويسأله : ماذا يجب ان افعل؟ انا أحيا وبالقرب مني صديق ولكني اشعر ان الرب يدعوني ان أحيا بمفردي فماذا افعل. فيرد المعلم. ماذا تفكر أن تفعل؟
فيرد: لا اعلم .
فيقول له: إذا أبقى إذا أردت او اذهب وستعرف ماذا يجب ان تفعل. المهم ان تكون نفسك فس سلام .
يعود الراهب بعد أيام ويقول نفسي مازالت مضطربة. عرفت ، يجب ان اذهب.
فيرد والمعلم : الان انت خلصت لأنك فهمت مشيئة الرب وترغب في عملها. ( أقوال ١٨٩: ١٢٨).
نعم هذا هو الخلاص ان نتفهم مشيئة الله ونعمل بها. وهذا دور المرشد. ليس بالدليل وليس من يملي أفعال. بل هو شخص يمنحك مقاييس التمييز ويعلمك فن تفسير الأحداث على ضوء مشيئة الرب.
للمرة القادمة.