“إعداد العظة هو واجب مهم جدًا ولذا يلزم أن نكرس له وقتًا مديدًا من الدرس، الصلاة، التأمل والروح الرعوية الخلاقية”، بهذا الشكل يبدأ البابا فرنسيس القسم الثالث من الفصل الثالث من الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل المكرس لإعداد الوعظ. ويقترح الأب الأقدس في هذا القسم بعض الخطوات لإعداد العظة. ويعتبر البابا هذا الشأن هامًا لدرجة انه يدعو لتكريس “وقت مطول” لهذا الشأن حتى على حساب بعض الشؤون التي قد تبدو أكثر أهمية.
“الثقة بالروح القدس الذي يعمل في الوعظ ليست فقط سلبية، بل فاعلة وخلاقة. وهي تعني تقديم الذات كوسيلة في يد الروح”. ويخص البابا من لا يُعد نفسه بكلمات قاسية: “من لا يعد عظته ليس شخصًا ’روحيًا‘، هو شخص غير شريف وغير مسؤول نحو المواهب التي تلقاها”.
المراحل العملية:
بعد استدعاء الروح القدس.
– الانتباه المحب: تكريس كل الانتباه للنص الكتابي، الذي يجب أن يكون ركيزة الوعظ. هذه المرحلة تتطلب التواضع الذي يعترف بأن الكلمة تتخطانا دومًا. فالواعظ ليس رب الكلمة بل خادمها. ولذا يجب أن يعيش الخوف المقدس الذي يدفعه إلى خدمة الكلمة، لا إلى استخدامها لمقاصده الخاصة. وتفسير النص الكتابي يتطلب الصبر. والصبر هو ثمرة الحب، الذي يكرس وقتًا مجانيًا.
– الفهم: يجب التأكد من أننا نفهم النص البيبلي بمعناه. ذاكرين بأنه نص يعود إلى ألفي وثلاثة ألاف سنة. فقد نفهم الكلمات ولكن هذا لا يعني مباشرة فهم المعنى المكنون. يجب القيام بجهد فهم النص في إطاره الحقيقي والأصلي. “الرسالة المحورية هي تلك التي أراد الكاتب في المقام الأول أن يوصلها، الأمر الذي يعني أنه يجب لا أن نتعرف على الفكرة وحسب، بل أيضًا على النتيجة التي شاء المؤلف توليدها”. فإذا كان النص قد كُتب للتعزية، لا يجب أن نستعمله للتوبيخ، وإذا كان كُتب للتعبير عن فكرة بشأن الله، لا يجب أن نستعمله للحديث عن أفكار لاهوتية خارجة عن الموضوع.
– الربط بسائر الكتاب المقدس: لكي نفهم النصوص يجدر ربطها بسائر الكتاب المقدس وتعليم الكنيسة. وهذا مبدأ هام في التفسير الكتابي الذي يعرف أن الروح القدس لم يوحِ فقط جزء بل كل الكتاب المقدس، وأن الشعب قد نمى مع الوقت في فهم إرادة الله انطلاقًا من الخبرة التي عاشها.
– شخصنة الكلمة: على الواعظ أن يكون أول من يضحي قريب وحميم الكلمة التي يشرحها ويعظ عنها. يجب أن يتقرب من الكلمة بقلب طيع ومصلٍ. لا يجب أن ننسى أن كبر أو صغر قداسة الواعظ تؤثر جديًا على التبشير بالكلمة. “سيتردد ويتألق صدى كلمة الرب في قلب الشعب إذا تردد أولاً في قلب الراعي”. يجب على الواعظ أن يسمح للكلمة أن تجرحه وأن تحوله قبل أن يرددها على الآخرين. فحتى في عصرنا هذا يفضل الناس السماع للشهود منه إلى المعلمين.
– ضمانة حب الله: الأمر الذي لا غنى عنه – بحسب البابا – هو أن يكون للواعظ يقين بأن الله يحبه وبأن يسوع المسيح قد خلصه، وأن لحبه الكلمة الأخيرة دائمًا.
– القراءة الروحية: هناك وسيلة ملموسة للاصغاء لما يريد الرب أن يقوله لنا في كلمته وهذه الوسيلة تعرف باسم “القراءة الإلهية” (lectio divina). وتشكل القراءة الإلهية وقفة مصلية أمام الكلمة. وهذه القراءة المصلية ليست منفصلة عن الدرس الذي يجب أن يقوم به الواعظ لكلمة الله. هذا وإن القراءة الروحية للنص يجب أن تنطلق من معناه الحرفي.
– الاصغاء لشعب الله: على الواعظ لا أن يصغي للكلمة وحسب بل أيضًا أن يصغي لشعب الله لكي يعرف ما يحتاج إليه الشعب. “الواعظ يتأمل كلمة الله ويتأمل الشعب أيضًا”.
– الأسلوب: يظن البعض أنهم وعاظ جيدون لأنهم يعرفون ما يجب قوله. ولمعرفتهم ما يجب قوله يتجاهلون كيفية قول الأمر، ويغضبون لأن الآخرين لا يصغون إليهم، ولكن ربما عدم الإصغاء يأتي من الأسلوب غير الجديد الذي من خلاله يلقون الكلمة. ويذكر البابا بما قاله بولس السادس في رسالته “التبشير بالإنجيل” حيث يقول: “إن أهمية مكنون التبشير الواضحة، لا يجب أن تستر أهمية الوسائل والسبل”. في هذا الإطار ينصح البابا باستعمال الصور، التي توصل الرسالة بشكل أسهل. وذكّر بأن العظة الجيدة – بحسب ما كان يقوله له أحد معلميه – يجب أن تتضمن “فكرة، عاطفة وصورة”.
– البساطة: كما وذكر بما قاله بولس السادس بشأن العظة التي، لكي تكون مثمرة، يجب أن تكون: “بسيطة، واضحة، مباشرة ومناسبة”. ولفت إلى أن إحدى التجارب هي أن يرتكز الواعظ على اللغة التي تعلمها خلال سني الدرس متناسيًا أن الناس العادية لا تتكلم بهذه اللغة الأكاديمية، وبالتالي يذهب الوعظ سدىً.
– اللغة الإيجابية: ثم شدد البابا على اللغة الإيجابية بدل لغة التوبيخ التي يستعملها الكثير من الوعاظ. فالوعظ الإيجابي يدفعنا إلى الأمام ويفتح آفاق الرجاء.