قليلون هم الناس الذين لاحظوا أنّ البابا فرنسيس والبابا بندكتس السادس عشر قد صليّا في الوقت نفسه لسيدة بولندا عند دخولهما إلى كاستل غوندلفو. إنّ البابا بيّوس الحادي عشر هو من أحضر هذه الأيقونة إلى هذا المكان بعد أن كان سفيرًا بابويًا في بولندا والتمس شفاعتها العظيمة. إنما هل من أهميّة لهذه الأيقونة بالنسبة إلى الشعب البولندي؟ وما تأثيرها على إيمانهم؟
إذا عدنا إلى تاريخ الشعب البولندي نجد أنهم عانوا ظلمًا كبيرًا من جرّاء الحكمين الديكتاتوريين النازي والشيوعي. قضى الملايين من الأشخاص في الحرب العالمية الثانية وتمّ رميهم في المراكز الشيوعية والنازية ولكنّهم ظلّوا يتمسّكون بإيمان كبير. إنما ما هو السرّ؟
يُعرف الشعب البولوني بارتباطهم العميق بمريم والبابا يوحنا بولس الثاني هو خير دليل على تعلّقهم بها إذ كانت تربطه علاقة كبيرة مع أمه العذراء فكان شعاره “كلي لكِ”. وعندما قام بزيارته الأولى إلى بولندا بعد أن أصبح بابا، شرح علاقة الدولة مع الشعب وأهمية مزار شيستوشوا الذي استمدّ منه الشعب البولندي الكثير من القوّة في ظلّ الحكم الجائر بحقهم وقتئذٍ قائلاً: “كنا نشعر بأننا أحرار عندما نلجأ إلى هذا المكان”. وأشار البابا يوحنا بولس الثاني إلى أهمية هذا المزار الذي ردّ هجمات كثيرة منذ العام 1655 عندما احتلّ الجيش السويدي بولندا بكاملها واستطاع البولنديون بفضل مزار شيستوشوا صدّ الهجمات بالأخصّ عندما اجتمعوا حول أيقونة العذراء السوداء التي تحمل طفلها بين ذراعيها. وسُميّت ب”ملكة بولندا” منذ ذلك الحين.
لم يتوقّف يومًا الشعب البولندي من التماس شفاعة العذراء سيدة بولندا لكي تردّ عنهم الضربات والمحاصرات فأبعدت القوّات النازية في العام 1917 والديكتاتورية الشيوعية في العام 1989 حتى إنه كان يُقال بإنّ هتلر نفسه كان يهاب الاقتراب من هذا المزار ولم يجرؤ السوفياتيون على لمسه. يقوم أربعة ملايين مؤمن بزيارة هذا الموقع كلّ سنة. فكيف يمكن لأوروبا بعد أن ردّت الكثير من الحروب والهجمات من خلال الصلاة والإيمان أن تنسى جذورها اليوم؟ فمن الصعب تخيّل أوروبا من دون روح أو اعتبارها مجرّد صورة على قطعة نقدية! فعسى أن تستذكر أوروبا تاريخًا طُبع بإيمان لم يردّ يومًا شعبه خائبًا!