منذ تأسيسها في مدينة فرايبورغ في ألمانيا في العام 1897، تسعى كاريتاس، مؤسّسة الكنيسة للعمل الاجتماعي الانساني، والتي يعني اسمها “محبّة”، للتخفيف من آلام الناس بمكافحة الجوع والمرض والعوز والتهميش والإدمان، وللوقوف إلى جانب ضحايا الكوارث الطبيعية وضحايا الحروب والنزاعات والمنبوذين في المجتمعات والمساجين والمهاجرين وكلّ من يحتاج لمسة محبّة أخويّة تُعيد إليه بعض كرامةٍ مفقودة وتذكّره بانتمائه إلى العائلة البشريّة.
وكاريتاس لبنان منذ تأسيسها في العام 1972 ما برحت تقف إلى جانب اللبنانيين وكلّ المقيمين على أرض لبنان واللاجئين إليه دون أيّ تمييز على أساس الدين أو العرق أو الانتماء شهادة منها على شموليّة المحبّة ومجّانية العطاء.
كاريتاس لبنان هي جزءٌ من كاريتاس الدوليّة التي تضمّ إليها 165 رابطة كاريتاس وطنيّة موجودة في 165 بلد وتعمل في أكثر من 200 بلد لا سيّما في الأماكن والدول الأكثر فقراً في العالم. في العامين الماضيَين، اختارت كاريتاس الدوليّة شعاراً مُشترَكاً لكلّ المجموعة تحت عنوان “عائلة بشريّة واحدة في مواجهة الفقر”. أمّا للعامَين القادمين، فقد اختارت كاريتاس الدوليّة أن تطلق حملةً لمكافحة الجوع في العالم نظراً لتزايد هذه الآفة وانتشارها في مختلف المجتمعات البشريّة. فأنتَ تعاين الجوع في الصومال وأريتريا ومصر والسودان ولبنان كما تراه منتشراً في مدن مثل نيويورك وباريس ولندن ومونتريال وغيرها من المدن والبلدان. وتُجمع الدراسات الصادرة عن دوائر الأمم المتحدة كما عن مؤسّسات مختصّة بالأبحاث على أنّ الجوع بات من الأخطار الأكثر جديّة التي تهدّد حياة الإنسان ومصيره في السنوات المقبلة.
في مواجهة هذه الآفة، وبالتوازي مع كاريتاسات العالم أجمع، ولمناسبة شهر الأعياد المجيدة، ومن بابِ ضرورة أخذ المبادرة بدل الاكتفاء بالوقوف على الأطلال، تدعو رابطة كاريتاس لبنان كلّ اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانيّة، مؤسّسات وأفراداً من كلّ الأطياف والانتماءات ومن القطاعَين الرسميّ والخاص إلى يوم صلاة وتضامن في العاشر من الشهر الحالي: الصلاة لأنّنا نؤمن أنّ العناية الإلهيّة تواكب الإنسان وهي تعمل في الكون وهي وحدها قادرة على تغيير قلوب الناس ليصبحوا أكثر رقّة تجاه بعضهم إذ أنّ الصلاة مهما كانت ومن أيّ مصدر أتت، تقرّب المسافات وتبني الجسور بين البشر. وهو يوم تضامن لأنّنا من دعاة إقران القول بالفعل، ومن المؤمنين أنّ المبادرات مهما كانت صغيرة وبسيطة تستطيع أن تحدث الفرق في حياة الكثيرين من الفقراء والمعوزين. قيل للطوباوية الأم تريزا يوماً: “كلّ ما تفعلينه وراهباتك ليس سوى نقطة في محيط”، فأجابت: “أجل، لكنّ المحيط ينقص كل مرّة قليلاً بسبب هذه النقطة”. ونحن نأمل أن تتراجع الآلام قليلاً كلّ مرّة نبادر إلى مدّ يد المساعدة والحنوّ على الأكثر فقراً وضعفاً وبؤساً في مجتمعنا.
وعليه، تقوم كاريتاس لبنان بفتح مراكزها “موائد الصداقة والمحبّة” للمحتاجين في ثمانية مناطق لبنانية، كما تطلب من أقاليمها الـ36 المبادرة، إمّا إلى تنظيم لقاء محبّة حول مائدة طعام في الأعياد حيث تسمح المعطيات اللوجستية بذلك، أو القيام بتوزيع حصص غذائية على الأكثر فقراً من إخوتنا اللبنانييّن، آملين أن يبادر اللبنانيون، أفراداً وجماعات، للانضمام إلى كاريتاس في هذا الجهد والقيام بمبادرات مماثلة لمكافحة الجوع وتوفير الغذاء للجميع. كذلك ندعو كلّ القادرين من الجماعات والشركات والمدارس والجامعات وشركات المأكولات والأفراد الذين يودّون التعاون معنا مباشرة إلى الاتصال بنا لتنسيق الجهود معاً ومحاولة إحداث الفرق في حياة الذين قست عليهم ظروف الحياة حتّى باتوا يشتهون أن يملأوا بطونهم ممّا يُقدّم لهم.
ختاماً، تحيّة محبّة وتقدير أوجّهها إلى جميع المُحسنين والمبادرين والمتطوعين والعاملين في كلّ المؤسسات الإنسانية في لبنان وفي رابطة كاريتاس والمتعاونين معها بشكل خاص، كي تبقى لمسة المحبّة المجّانيّة في حياة اللبنانيّين في مختلف المناطق، متمنّين للجميع أعياداً تتكلّل بهديّة باتت مُشتهى الجميع، سلامٌ حقيقيّ ودائم لوطننا وللأوطان المجاورة ومستقبل أفضل لأطفالنا وجميع الأطفال.