إنَّه العاشر من شهر كانون الأول حيث اجتمع العديد من ممثلي الدُول، ليضمنوا ويأكِّدوا حقوق الإنسان بُغيةَ انبثاق عالميٍّ يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرَّر من الفزع والفاقة (ديباجة الشرعة). إنَّه يومٌ إنسانيّ بامتياز حيث تعيِّدُ الإنسانيّة بأجمعها بهذه الذكرى. إنَّ المشرِّع والمشترع واحد، خليقة الله الآب، الإنسان.
مرَّت أعوامٌ على تشريع حقوق الإنسان، ومرَّ إنسانٌ حافظ عليها وآخر تجاهلها والأخير لا ينكرها. إنسانُ اليوم هو ذاته إنسان الأمس، حقوق الإنسان هي هي مهما تغيَّير الدهر والزمن والمكان. كرامة الإنسان هي كرامة الله لأنَّ الإنسان يعكس صورة الله المتجسد الذي أخذ صورة الإنسان ليكلَّله بالمجد والكرامة.
يتصارع عالمنا اليوم مع بعضه البعض من خلال الحروب، والسياسة، والبغض، والكراهيّة ونبذ الآخر ومن خلال الإعتراف علناً بعدم وجوده. يتصارع عالمنا اليوم، باسم الدين والديانة بينما رجال الدين ينادون بالسلام والإنسانيّة. يتصارع عالمنا اليوم، حول المصالح والاقتصاد والعَدديَّة ناسِياً الكرامة والحقوق الإنسانيّة. تتصارع الدُوَل التي أعلنت الشرعة سابقاً مع بعضها البعض وكأنَّ شيئاً لم يكن.
الدُول عينها التي شرَّعت ووقَّعت على الشرعة العالميّة لحقوق الإنسان، هي ذاتها التي تنكر حقوق الإنسان اليوم، هي ذاتها التي تعتبر الإنسان عدداً وليس صاحبَ حقوق وفرد حرّ. أصبحَ إنسانُ اليوم حِبراً على ورق بدل أن يكونَ ورقاً مكتوباً عليه بالحِبر.
إنَّني في هذا اليوم، أتذكَّر كلَّ مَن تعب وناضل من أجل الإنسان والإنسانيَّة، إنَّني أتذكَّر كلَّ مَن ساهم في تشريع حقوق الإنسان عِبرَ الزمن، إنَّني أتذكَّر الدكتور شارل مالك الذي خلَّد اسم لبنان بصياغة الشرعة الدُوليّة لحقوق الإنسان، إنَّني أتذكر كلَّ إنسانٍ وجمعيةٍ ومؤسسة تسعى وتناضل من أجل خير الإنسان، إنَّني أتذكَّر كلَّ إنسان يسعى لعَيش إنسانيّته.
في يوم ذكراكِ، يا شرعة حقوق الإنسان، أترحَّم على كلِّ مَن يحاول هلاككِ في النار الجهنميّة؛ أترحَّم على كلِّ إنسان يفقد إنسانيته؛ أترحَّم عليكِ وعلى مَن شرَّعكِ لأنَّه قد تخلَّى ويتخلَّى عنكِ اليوم الكثير من البشر واضعين أملهم في الحجر الذي يدِّمروه وليس في البشر الذين يقتلونهم؛ أترحَّم عليكِ لأنَّ حقّي أصبح باطلاً ولأنَّ حريّتي أصبحت بيدِّ الآخرين. في يوم ذكراكِ، أصلّي مِن أجلِكِ يا شرعتي ومن أجل إنسانيتيّ لكي تعيشا بحريةٍ وبكرامةٍ لكي يبقى الإنسان سيّداً، حراً, كريماً وصاحب حقَّ.
واجبي وواجب كلّ إنسان أنّ أحافظ عليك، أن أحترمك لأنَّكِ تعملين وتسعَين لأجل خيري وخير كلَ أخٍ لي في الإنسانيّة. في يوم ذكراكِ، أترحمُكِ، نعم، ولكن أتمنى لكِ، يا شرعة حقوق الإنسان، القيامة العاجلة لتَريّ مجدداً نورك البهيّ الذي يتجلى في كلِّ إنسانٍ على صورة الله على الأرض.