إن الأطروحة القائلة بضرورة النعمة ضرورة ً مطلقة لعمل الإنسان الخلاصيّ ، لا يتضمّن أيّ " تشاؤم أخلاقيّ أو ثقافيّ " . ولا تعني ، بحسب العقيدة الكاثوليكيّة ، أنّ الإنسان في حالة الخطيئة ، لا يستطيعُ أن يعرفَ أيّ حقيقة أخلاقيّة ولا يمكن أن يعملَ أي عمل ٍ أخلاقيّ صالح . لا جُرمَ أنّ قدرتهِ على المعرفة وحريّته الأخلاقيّة قد جرحتهما الخطيئة جرحًا بليغا ـ ولكن بدون أن تفسدهما . فيجبُ من ثمّ عدم الشكّ في إمكان الإنسان أن يقوم بأعمال ٍ أخلاقيّة وثقافيّة ذات قيمة .
المُستَبعَد هو فقط ( التفاؤل الطبيعيّ بالنسبة ِ إلى الخلاص ) .. فالحريّة الأخلاقيّة الباقية لدى الخاطئ ، تتعلق فقط بموضوع الخير الإنسانيّ ، وليس بخلاص الإنسان . في كلّ التشديدات المختلفة ، ورغم المبالغة في كثير من تعابير المصلحين ، يمكنُ الوصول إلى تفاهم ٍ أساسيّ في هذه المسألة ..
يقومُ الجدلُ خصوصًا ، حول ما إذا كانت النعمة تمكّن الإنسان من التجاوب مع عمل تبريره ، وبالتالي من الإسهام فيه .. يتكلم المصلحونَ بصراحةٍ على " الإرادة غير الحرة " ؛ فسلبيّة الإنسان الكاملة في مسار التبرير هي ، في نظرهم ، أمرٌ أساسيٌّ . بخلافِ ذلكَ ، يتكلم المجمع التردنتينيّ مرارًا على إسهام الإنسان (دنتسنغر 1554) . ولا يقصد بذلك أيّ حريّة مستقلّة إزاء الله ، بل " حرية مُعطاة " ..
هذا الإسلوب في التعبير هو شرعيّ من الوجهة الكتابيّة .. فالرسول بولس يصف نفسَه بصراحة على أنه يعمل " مع " الله (1 كور 3 : 9 ، 2 كور 6 : 1) ؛ ويتكلم على نعمة الله التي " معي " ( 1كور 1 : 15).. إن الله يحافظُ على قيمة الخليقة ، وهذه القيمةُ أيضا ، لا يفقدُها الخاطئ ، إن الله لا يعاملنا كحطب ٍ ميّت ، بل يحترمنا كبشر ! أن يعمل الله كلّ شيء ٍ في الإنسان لا يعني أنه يعمل وحده . إن الذي خلقكَ من دونَك ، لا يبرّرك َ من دونكَ ، فقد خلقكَ من دون معرفتكَ ، ولكنه لا يبرّرك إلا بتجاوبِ إرادتكَ (أوغسطينوس)
يتبع