الشرق الاوسط ـ بيروت: ليال أبو رحال
لا يملك مسيحيو لبنان أمام ما يتعرض له مسيحيو سوريا أكثر من رفع نبرة خطابهم التحذيري من هجمة التيارات التكفيرية وعقد ندوات ومؤتمرات «فلكلورية» ترفع الصوت وتناقش شجون المسيحيين في المشرق وهمومهم التي فاقمتها خلال السنتين الأخيرتين أزمة سوريا.
وإذا كان حزب الله اللبناني أدخل مقاتليه إلى سوريا رافعا شعار «الدفاع عن المقامات المقدسة»، فإن تعرض بلدة معلولا ذات الرمزية المسيحية التاريخية، والتي يندر أن مسيحيا لبنانيا لم يزرها، وخطف راهبات منها، بعد أشهر من خطف المطرانين يوحنا إبراهيم وبولس اليازجي، شقيق بطريرك الأرثوذكس في أنطاكيا يوحنا اليازجي، لم يقابله المسيحيون إلا بالاستنكار والتعبير عن شجبهم وغضبهم.
وإذا كان مسيحيو الدول العربية الذين يدرجون في إطار «الأقليات»، لطالما استمدوا القوة من مسيحيي لبنان الذين تمتعوا عبر التاريخ بامتيازات وقدرة على لعب دور محوري، فإن الانقسام الحالي للقيادات المسيحية اللبنانية بين محورين متصارعين يختلفان على مقاربة الملفات الداخلية وعلى مقاربة أزمة سوريا نفسها، يجعل قدرتهم على التأثير والتغيير راهنا، محليا وإقليميا، شبه معدومة.
وفي هذا السياق، يبدي مسؤول المنظمة الآشورية في إسطنبول المعارض السوري جميل دياربكرلي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أسفه لـ«عدم الوقوف المسيحي الفعلي مع مسيحيي العراق بالأمس ومع مسيحيي سوريا راهنا». ويتهم «القيادات المسيحية في لبنان بعدم امتلاك أي خطة واضحة وبفشلهم في أن يفرضوا أنفسهم كمدافعين عن قضايا المسيحيين في الشرق الأوسط».
يذكر دياربكرلي أن «مسيحيي المنطقة لطالما استمدوا قوتهم من الدور المسيحي المهم في لبنان، لكن هذا الدور خذل نوعا ما مسيحيي سوريا والعراق»، معتبرا أنه «لو كان هناك من توزيع أدوار فعلي بين القيادات المسيحية اللبنانية لكنا أكثر ارتياحا». ويذهب دياربكرلي إلى حد القول إن «التجاذبات المسيحية في لبنان تؤثر سلبا على موقفهم من مسيحيي سوريا، إذ إنهم منقسمون في دعمهم بين مسيحيي النظام ومسيحيي المعارضة في سوريا»، مشيرا إلى أن «التصريحات الكثيرة الصادرة عن البطاركة ورجال الدين المسيحيين لا تكفي وحدها لحماية مسيحيي سوريا، كما لم تنجح سابقا في ثني المسيحيين عن الهجرة».
ضعف الروابط السياسية بين مسيحيي سوريا ولبنان لا ينفي جود روابط دينية وجغرافية واجتماعية بين الطرفين يلخصها مدير مركز الدراسات المسيحية – الإسلامية في جامعة البلمند، الأب جورج مسوح، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بقوله إن «مسيحيي الشرق ينتمون جميعهم إلى كنيسة أنطاكيا، أي بلاد الشام، تاريخيا وجغرافيا، بحيث يجمعهم تاريخ وإيمان مشترك». ويشير إلى أن «الروابط الاجتماعية قوية جدا، إذ إن عددا كبيرا من العائلات اللبنانية أتى من حوران ومن العمق السوري ليستقر في لبنان، عدا عن تلك المتمثلة بعلاقات القربى والمصاهرة في المناطق المتداخلة كما هو الحال بين منطقتي عكار اللبنانية ووادي النصارى السورية».
ويذهب مسوح، الذي يصر في كتاباته على أنه لا يمكن فصل أزمة مسيحيي سوريا عن الأزمة السورية في حد ذاتها، إلى القول بأن ما «يجمع مسيحيي الشرق هو أن موقفهم من الوضع السوري ليس موقفا طائفيا ضيقا»، لافتا إلى «اننا ننظر إلى سوريا ككل ولا نتصرف على أساس استهداف المسيحيين، لأن سوريا كلها مستهدفة والإنسان السوري مستباح دمه»، مشددا في الوقت ذاته على أن «كنائس المسيحيين ليست أغلى من مساجد المسلمين، وتعنينا آلام الشعب السوري كله».
في المقابل، يعتبر مدير مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية، سفير لبنان السابق في واشنطن، عبد الله بوحبيب، أن «ما يجمع مسيحيي المنطقة وليس لبنان وسوريا هو الاعتداء عليهم كمسيحيين». ويقول إن «مسيحيي سوريا خلال سنوات الحرب الأهلية في لبنان لم يقفوا أو يدعموا مسيحيي لبنان، لكن الأخيرين مع استهداف مسيحيي سوريا ورموزهم وبلدة معلولا يشعرون بالضيق وبالاستهداف».
يشدد مسوح على أن «رد الفعل المسيحي تجاه الاعتداء على بلدة معلولا السورية وبقية القرى المسيحية وخطف المطرانين والراهبات ليس مبنيا على أساس طائفي، باعتبارهم جزءا من الشعب السوري، ولا نملك إلا الصلاة من أجل السلام في سوريا كلها». ويذكر أن «مسيحيي سوريا هم المكون الوحيد الذي لم ينشئ ميليشيات مسيحية أو شكل جيشا (على حسابه)»، مشددا على أن «خيار المسيحيين غالبا ما يكون مع الدولة وبالتالي لا وجود لأي مسيحي مسلح إلا ذلك المنضوي إلى الجيش السوري».
وفي حين يشدد مسوح على أن «حمل السلاح للدفاع عن الرموز والكنائس ليس من قيم المسيحيين، عدا عن أن أي مرجعية مسيحية لا تريد سفك دم أي سوري على يد ميليشيات مسيحية، لا إمكانية لتشكيلها أصلا»، يرى السفير بوحبيب، الذي شارك في تنظيم «اللقاء المسيحي المشرقي» مطلع الشهر الماضي، أن «معظم الكنائس المسيحية تقوم بواجباتها وأكثر». ويوضح أن «الفرق بين المسيحيين وبقية الفئات التي تستهدف في سوريا أنه لا خيار لهم في القتال، وخيار الحرب لم ولن تتبناه أي فئة مسيحية في العراق سابقا وفي سوريا راهنا»، مشيرا إلى أن «الإعلام هو سيد الموقف اليوم ويضيء على ما يحصل، وهذا أهم بكثير من إرسال مقاتلين مسيحيين إلى سوريا، لأن الفكرة غير واردة في الفكر المسيحي».
يتفق كل من دياربكرلي ومسوح وبوحبيب على أن «التنظيمات التكفيرية المتشددة»، على غرار تنظيمي
«الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة»، هي «العدو الأكبر» لمسيحيي سوريا تحديدا ومسيحيي الشرق عموما. وما يعزز نظريتهم هذه هو أن حوادث خطف المطرانين بريف حلب والراهبات بالقلمون وقبلهم الأب اليسوعي باولو دالوليو بالرقة والاعتداء على الكنائس حصلت كلها على يد تنظيمات إسلامية متشددة. لكن دياربكرلي، المعارض السوري الآشوري، لا يغفل التساؤل عن «هوية المستفيد من خدمات هذه التنظيمات المتشددة في سوريا اليوم ومن استهداف معلولا وقبلها بلدة صدد السريانية بريف حمص»، معترفا في الوقت ذاته بأن «السوريين واقعون اليوم بين مطرقة الاستبداد وسندان التطرف». وفي حين يعتبر أنه «لا ينبغي أن يكون مسيحيو سوريا مكسري عصا النظام أو المعارضة المخترقة من قبل أطراف تنفذ عن معرفة أو غير معرفة أجندات تخدم النظام»، يشير إلى أن الحديث عن «استهداف ممنهج للمسيحيين هو بمثابة تصغير وتسخيف للأزمة».
من ناحيته، يعتبر بوحبيب أن «استهداف المسيحيين لا يحصل على أيدي الجيش السوري الحر بل الجماعات التكفيرية التي لا تقبل بالآخر المختلف، حتى إنها لا تفرق بين السني المعتدل والسني المتطرف»، معربا عن اعتقاده أن «الغرب تمهل في دعم المعارضة نتيجة الإعلام المعاكس للتيارات المتشددة، والتي يصب عملها لصالح النظام»