سأل مرة الأخ ماسيو القديس فرنسيس: لماذا أنت؟ لماذا أنت؟ لماذا أنت؟ وبما أن السؤال لم يكن واضحًا، استفسر فرنسيس ما معنى السؤال، فأوضح الأخ ماسيو: لماذا الناس تأتي إليك وأنت لست جميلاً، وليس لديك عميق المعرفة، وليس لك أصل نبيل؟ لماذا يتبعك العالم بأسره؟
وإذ سمع القديس فرنسيس هذه الأمور فرح بالروح وقال للأخ: هل تريد أن تعرف لمَ؟ لأن عيني الله القدوستين لم تريا بين الخطأة من هو أكثر خطيئة مني.
جواب القديس فرنسيس، رغم أنه كان صادقًا ليس صحيحًا. فبالحقيقة كان الناس يذهبون إليه وينجذبون إلى مثاله لأنه كان يمثل بالنسبة إليهم القيم التي يتوق إليها كل البشر: الحرية، السلام مع الذات ومع الخلائق، الفرح، الأخوة الجامعة.
جذر كل هذه الفضائل هو التواضع. وما يميز التواضع هو حالته الفريدة: فالمتواضع هو من يظن أنه ليس كذلك، وغير المتواضع هو من يظن ذلك! هل كانت مريم متواضعة؟ مريم كانت متواضعة إلى حد أقصى ولكن هذا الأمر لم تكن تعرفه هي، كان يعرفه الله!
التواضع ينبع من الحقيقة، من وقفة حق أمام الله وأمام الذات. وهذا ما يعلمه القديس أغسطينوس الذي يصلي في مناجاته: “أعطني يا رب أن أعرفك وأن أعرف ذاتي. أن أعرف ذاتي لكي أتواضع وأن أعرفك لكي أحبك!”.
وتتساءل القديس تريزا الأفيلية: لماذا يحب الرب التواضع بهذا الشكل، وجوابها: “لأنه يحب الحقيقة، والتواضع هو الحقيقة”.
التواضع لا يعني ألا نرضى بذواتنا أو أن نكون حزينين، بل هو أن ننظر إلى الله قبل النظر إلى ذواتنا وأن نقيس الغمر الذي يفصلنا عن مطلق الله وكماله. بقدر ما نعي ذلك، بقدر ذلك نضحي متواضعين.
تواضع الله يتجلى في حبه للخلائق، وبشكل خاص للبشر الذين سمح لهم حتى أن يرفضوا حبه. الحب يخلق نوعًا من اعتماد على الآخر، والاعتماد على الآخر يولد التواضع، وهذا الأمر يجري نوعًا ما مع الله.
بالنظر إلى تواضع يسوع نفهم أن جوهر التواضع لا يمكن في أن “نكون صغيرين”، ولا حتى أن “نشعر بأننا صغيرين” بل أن “نضحي صغيرين”. فهذا كان تواضع يسوع الذي أفرغ ذاته لأجلنا.