بحسب لوثر ، المبرّرون هم ” أبرارٌ وخطأة في آن واحد ” . بهذا القول ، يريدُ لوثر أن يعبّر عن (مفارقة الوجود المسيحيّ ) ، حيث المبرّر لا يزالُ خاضعًا للخطيئة . وفي الواقع فإنّ أعظمَ القدّيسين كانوا يَعدّون أنفسهم أعظمَ الخطأة . هذا الواقع عبّر عنهُ المجمع التردينتينيّ على نحو آخر إذ تكلّم على بقاء الميل الى الخطيئة ( الشهوة ) . إستنادًا إلى هذه الأقوال يرى اليوم كثيرٌ من اللاهوتيين إمكانيّة التفاهم في هذه النقطة . ومع ذلكَ فهناك نتائج لِما تبقّى من إختلاف في نقاط الإنطلاق وأساليب التعبير والتفكير ، ولا سيّما في موقع عقيدة التبرير المصلِحَة بالنسبة إلى مجمل العقيدة ، ظهرت في التوسّع المُصلِح اللاحق المترجَم في ” كتاب الإتفاق ” سنة 1580 ، الذي يُعَدّ أحد كتب إعتراف الإيمان اللوثريّ .
فهذا الكتاب يميّز بشدّة بين التبرير والقداسة ، فيما المجمع التريدنتينيّ ( سنة 1545 – 1563) يرى وحدة فيهما . لهذه الأقوالُ المختلفة أيضا ، نتائج على ” العلاقة بين الإيمان والعمل ” التي لا بدّ هنا من الكلام فيها ..
تبرير الإنسان لا يمكنُ إلّا بالإيمان .. هذه هي عقيدة الكتاب المقدّس الجليّة .. نقرأ في نهاية إنجيل مرقس القول الصريح التالي : ” من آمنَ وأعتمد يخلُص ، ومن لا يؤمن يُقضى عليه ” مرقس 16 : 16 .
وقد أثبتَ الرسول بولس بوجهٍ خاصّ وبوضوح ، كما رأينا ، معنى الإيمان ( روما 1 : 17 ؛ 3 : 22 ) .. ” فبدون إيمان يستحيل إرضاء الله ؛ إذ لا بدّ لمن يدنو إلى الله أن يؤمن بإنه كائنٌ وأنه يثيبُ الذين يبتغونه ( عبر 11 : 6). ومن ثمّ ، يستطيعُ المجمع التردنتينيّ أن يُعلنَ :
” أنّ الإيمان هو بدءُ الخلاص للإنسان ، وأساسُ كلّ تبرير وجذرُه ، فبدونه لا يستطيعُ أحدٌ أن يرضي َ الله ( دنتسنغر 1532)
– فالإيمانُ هو من ثمّ بدءُ الخلاص ، ولكنّه ليسَ مجرّد بدء يمكنُ ، في أيّ وقت ما من حياة الزمن هذه ، التخلّي عنهُ من جديد ، بعد أن يكون الإنسانُ قد خطا فيه خطوات هامّة . إنه في الوقت عينه الأساسَ الباقي الذي يُبنى عليه البناء كلّه ؛ ولكنّه ليس أيضا مجرّد كتلة ٍ توضَع تحت البناء بحيث لا يرتبطُ بها البناء بأيّ علاقةٍ عضويّة .. بل هو من التبرير بمثابة الجذر للشجرة . كلّ هذا ممكن لإن الإيمان ، في عمق جوهره ، يعني الإندراجَ في موقف يسوع الباطن ، ومن ثمّ فالوجود المسيحيّ هو وجود في الإيمان ومن الإيمان ..