كعادته في كل أربعاء التقى البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان بوفد من المؤمنين الذين يأتون من كل أنحاء العالم للإصغاء الى تعاليمه والنهل منها. استهل فرنسيس تعليمه هذا الأسبوع مذكرًا بأن لقاء اليوم يأتي في سياق التحضير لزمن الميلاد، وأراد أن يتأمل مع المؤمنين بميلاد يسوع عيد الثقة والرجاء الذي يفوق الشك والتشاؤم، وأضاف بأن سبب رجاؤنا هو أن الله معنا وهو دائمًا يثق بنا.
تابع البابا بالقول أن الله الأب الكريم أتى ليسكن مع البشر، واختار الأرض كمنزل له ليكون بين البشر يختبر فرحهم ومعاناتهم، لذلك لم تعد الأرض “واديًا للدموع” وإنما أصبحت المكان الذي نصب الله فيه خيمته، إنه مكان لقاء الله مع الإنسان وتضامن الله مع البشر. “أراد الله أن يشاركنا طبيعتنا البشريّة لدرجة أنه صار مثلنا بشخص يسوع المسيح الإنسان الحق والإله الحق. ولكن هناك شيء مدهش أكثر وهو أن حضور الله في وسط البشريّة لم يتم في عالم خيالي وشاعري ولكن في هذا العالم الحقيقي الذي تشوبه الانقسامات والشرور، والفقر والتسلُّط والحروب. اختار الله أن يقيم في تاريخنا كما هو، بثقل محدوديّته ومأساته، وبذلك اظهر رحمته بشكل لا يُضاهى وأفاض حبه على الإنسان. يسوع هو “الله معنا”، منذ الأزل وللأبد معنا في معاناة التاريخ وآلامه. ميلاد يسوع هو ظهور الله الذي “يوحّد قواه” مع الإنسان ليخلصنا ويرفعنا من غبار شقائنا، من صعوباتنا وخطايانا.”
أردف الحبر الأعظم مشيرًا الى أن “هدية” طفل بيت لحم تأتينا من هنا، وتعطينا قوة روحيّة تساعدنا كي لا نغرق في يأسنا وأحزاننا لأنها قوة تدفئ القلب وتحوله. في الواقع إن ولادة يسوع تحمل لنا البشرى السارة بأن الله يحب كل فرد منا حبًّا عظيمًا، وهذا الحب لا يجعلنا فقط نتعرف الى الله، بل يمنحنا إياه أيضًا وينقله لنا.
إن تأملنا سر ابن الله الذي ولد من أجلنا يمكننا أن نستنتج نقطتين مهمتين: أولا، “أنه إذا كان الله في الميلاد لا يظهر كالذي يقيم في الأعالي ويحكم الكون وإنما كالذي ينحني وينزل إلى الأرض صغيرًا وفقيرًا، فهذا يعني أننا كي نتشبه به علينا ألا نرفع أنفسنا فوق الآخرين، بل علينا أن نتنازل لنخدم ونصبح صغارًا مع الصغار وفقراء مع الفقراء. إنه شيء قبيح عندما نرى مسيحيا لا يريد التنازل عن مقامه، ولا يريد أن يخدم. فهذا ليس بمسيحي: إنه وثني! فلنعمل كي لا يشعر إخوتنا وأخواتنا هؤلاء بأنهم وحدهم.” أما النقطة الثانية فهي إن تجسد الله بيسوع ليصبح واحدًا منا فهذا يعني أن كل ما نفعله لأخ أو لأخت فنكون قد فعلناه له.
أخيرًا، ختم البابا بالقول أنه علينا أن نسلم أنفسنا لشفاعة مريم الوالدية، فهي أم يسوع وأمنا كي تساعدنا في عيد الميلاد هذا لنتعرّف في وجه قريبنا وخصوصًا في الأشخاص الأشدّ ضعفًا والمهمشين إلى صورة ابن الله الذي صار إنسانًا من أجلنا.