العقيدة الكاثوليكية في التبرير والتقديس

القسم الخامس

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

إن قول لوثر الشهير ” بالإيمان وحده ” ، يركّز على أنّ الإيمان ، في نظره ، ليسَ مجرّد بدء الخلاص ، بل هو جوهره . ومع ذلكَ فقد رفض لوثر ، خوفا من البرّ بالأعمال ، أن يكون الإيمانُ الذي تحدّده وتُحرّكه المحبّة ضروريّا للتبرير .

أما العقيدة الكاثوليكيّة فلا تفهم المحبة على أنها عمل إنسانيّ بارّ في ذاته ، بل على أنها هبةُ النعمة . في هذا المعنى تقول إنّ الإيمان الذي يحيا في محبّة مُعطاة بالنعمةِ وحدَه يبّرر ، فيما الإيمان ” المجرّد ” ، اي الإعتقاد المجرّد ، لا يُبرّر من دون المحبّة ( دنتسنغر 1559 ) .. أمّا إذا فهمنا الإيمانَ في معناهُ الكامل والكتابيّ ، أي الإيمان الذي يتضمّن التوبة والرجاء والمحبّة ، فلهذا القول ” أيضا معنى صحيح بالنسبة إلى العقيدة الكاثوليكيّة ” . فبموجبها يتضمّن الإيمان كلا الأمرين : الثقة بالله المرتكزةَ على رحمتهِ التي تجلّت في يسوع المسيح، والإعتراف بعمل الله الخلاصيّ هذا بيسوع المسيح في الروح القدس ( دنتسنغر 1562) . وهذا الإيمان لا يكونُ أبدًا وحده ، بل يتضمّن بالحريّ أعمالا أخرى متنوّعة : كالإرتداد عن الخطيئة ، والتوبة إلى الله ، ومخافة الله ، والرجاء بالله ومحبة الله .. وهذا كله ليسَ أمورًا خارجيّة تُضاف إلى الإيمان لإكماله ، بل هي إمتداداتٌ لجوهر الإيمان وكيانه الباطن عينه .

إنّ مسألة إختبار نعمة التبرير ، كانت ولا تزالُ اليوم ترتدي أهمية خاصّة . لا يمكنُ بالطبع أن يكون لأيّ إنسان اليقين الموضوعيّ بأنه في النعمة . هذا مُستبعَد لكون الله ، الذي هو أصل النعمة ومضمونها ، سرّا يستحيلُ على الإنسان إدراكه. لا جرم أنّ نعمة الله ورحمته لمن يؤمن لا يرقى إليهما شكّ ؛ بيد أنّ هذا اليقين لا نمتلكه ، إلا في إكتمال الإيمان . ولكن عندما ننظر إلى أنفسنا ، لا يمكننا أبدًا ، لما فينا من ضعف حتى في الإيمان عينه ، أن نعرف معرفة اليقين هل نحنُ في حالة النعمة أم لا ( دنتسنغر 1534) . لربّما لا ندرك فينا أيّ خطيئة ، ولكن ذلك لا يعني أننا قد بُرّرنا .. ولكننا نستطيعُ بالنظر إلى رحمة الله ، أن نرجو الحصول على الخلاص .

إنّ يقين الخلاص هذا ، يمكنُ إختباره في بعض العلامات ، فبولس نفسه يحثّنا قائلا : ” إمتحنوا أنفسكم ، لتروا هل أنتم على الإيمان ، إختبروا أنفسَكم ! أفلا تعرفون أنّ يسوع المسيح فيكم ؟ ( 2 كور 13 : 5 ) . وتوما الأكوينيّ يسمّي بعض هذه العلامات : الفرح بالله وبأمور الإيمان ، والإبتعاد عن قوّة إغراء العالم ، وحكم الضمير بعدم وجود خطيئة باهظة تُثقِله . وقد أشار القديس إغناطيوس دي لويّولا في ” قواعد تمييز الأرواح ” إشارة خاصّة إلى اختبار التعزية الروحيّة ، وهي تتضمّن : الشجاعة الباطنة ، والقوة الباطنة ، والطمأنينة الباطنة ، ومحبة الله فوق كلّ ما سواه ، والفرح الباطنيّ ، والإنجذاب الباطنيّ إلى الأمور الروحيّة .

إنّ مسألة يقين الخلاص كانت ، بالنسبة إلى لوثر ، نقطة إنطلاق توسّعه في الإصلاح . فإختبار يقين الخلاص مرتبطٌ ، في نظره ، إرتباطا وثيقا بالإيمان الذي يبرّر . وتكلّم ” كلفين ” على يقين تحديد الله السابق ، أما المجمع التردينتينيّ ( 1545 – 1563 ) فقد رأى في ذلك ” إيمان ثقة أجوف ولا تقوى فيه ” ، ينتفخُ ليصل بالإنسان أيضا إلى يقين مغفرة خطاياه (دنتسنغر 1533 ) . ومع ذلك ، فالعقيدة المُصلِحَة والتقليد الكاثوليكيّ ، في يقين رجاء الإيمان ، هما في الواقع ، أقربُ بكثير أحدهما من الآخر ممّا تدلّ عليه التعابير المتشدّدة المستعملة لدى الجانبين .

المشكلة الحقيقيّة هي في أعمق من ذلك . ففي عقيدة لوثر عن ” يقين الإيمان الفرديّ” ، يظهر مطلبٌ يبدو أنه كان على العموم مطلبًا أساسيّا في نظر العصر الحديث ، وهو يندرجُ في إشكاليّة اليقين الحديثة . أما المجمع التردنتينيّ فقد رفضَ عقيدة يقين الإيمان الفرديّ ( دنتسنغر 1563 – 1564 )، وأعلن الحلّ الكاثوليكيّ لمشكلة اليقين : لا يمكنُ الحصول على اليقين إلا في جماعة الكنيسة ، في التجاوب المتبادَل بين النعمة والرجاء المتأتّي عنها ، وكذلك في كون الكلّ تحملهم معًا جماعة الإيمان الواحد والرجاء الواحد .

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير