“حتى الله يبكي أولاده تمامًا مثل الأب الذي يحب أولاده ولا ينكرهم ولو تمرّدوا عليه بل ينتظرهم دائمًا” هذا ما أكّده اليوم البابا فرنسيس في عظته الصباحية من دار القديسة مارتا أثناء القداس الإلهي.
تشير قراءات اليوم من سفر صموئيل الثاني (18-19) ومرقس (5: 21-43) إلى صورة نوعين من الآباء: الملك داود الذي يبكي وفاة ابنه المتمرّد أبشالوم ويائيرس رئيس المجمع الذي رجا يسوع أن يشفي ابنته. شرح البابا صرخة داود إبان معرفته بمقتل ابنه إذ وبالرغم من أنه قام الولد بخيانة أبيه وفاز عبيد الملك على أبشالوم، ابن الملك داود، إلاّ أنّ داود لم يكن مهتمًا بالانتصار حتى “صارت النصرة في ذلك اليوم مناحة عند جميع الشعب لأنّ الشعب سمعوا في ذلك اليوم من يقول: إنّ الملك متلهّف على ابنه”. في الواقع وبحسب ما شرح البابا إنّ الملك داود عندما علم بخبر موت ابنه ارتعش وصعد إلى علية الباب وكان يبكي ويقول هكذا وهو يتمشى: “يا بنيّ أبشالوم، يا بنيّ أبشالوم، يا ليتني متّ عوضًا منك، يا أبشالوم!”
وتابع البابا: “أما الوالد الآخر فهو رئيس المجمع وهو شخصية مهمة إنما لم يشعر بالخجل ليرمي نفسه على أقدام المسيح يتوسّله شفاء ابنته ولم يفكّر للحظة ما قد يقوله الآخرون عنه، لأنه أب. ما من شيء أهم بالنسبة إلى هذين الوالدين سوى الإبن والإبنة!” وأضاف البابا: “نحن نصلي صلاة النؤمن ونقول: نؤمن بإله واحد، آب…” ونفكّر بأبوّة الله ولكننا نعتقد بأنّ الله لا يبكي! ولكن بالطبع يبكي! هو يبكينا! لنتذكّر يسوع عندما بكى على أورشليم: ” يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرّة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، فلم تريدوا” (مت 23: 37).
وقال البابا: “في الأوقات العصيبة التي نمرّ بها فلنتذكّر إسحق عندما أراد إبراهيم أن يقدّمه ذبيحة للرب، إسحق لم يكن غبيًا لقد رأى أباه يجمع الحطب وبيده النار وفهم أنه لن يقدّم الحمل للمحرقة… وكذلك يسوع في بستان الزيتون الذي كان يشعر بالمرارة في قلبه وصلى: “يا أبتِ، إن شئت فاصرف عني هذه الكأس… ولكن لا مشيئتي بل مشيئتك!” وتراءى له ملاك من السماء يشدد عزيمته. ولنفتكر بوالد الإبن الضال الذي كان ينتظر ابنه الذي ذهب بعيدًا وما إن رآه ذات يوم آتيًا من بعيد فرح وتهلل. هكذا هو إلهنا! “هذه هي أبوتنا” على كل والد أن يتمثّل بالأبوّة الروحية التي يملكها الأساقفة والكهنة. إنّ الأب هو ممسوح من الابن، لا يمكن لأحد أن يفهمه سوى ابنه ولهذا هو بحاجة إلى الابن ليحبّه ويبحث عنه ويطلب الغفران منه وأن يكون بقربه تمامًا مثل الدجاجة القريبة من فراخها”.
وختم البابا قائلاً: “لنعد إلى بيوتنا اليوم حاملين هاتين الأيقونتين: داود الذي يبكي والآخر، رئيس المجمع الذي ارتمى على قدميّ يسوع ملتمسًا منه الشفاء لابنته غير آبه بالآخرين. إنّ الهدف كان أولادهما: الإبن والإبنة. وقولوا مع هاتين الأيقونتين: “أؤمن بالله الآب…” سائلين الروح القدس أن يعلمنا كيف نقول “أبّا، أبي”. إنها نعمة! أن نكون قادرين أن نقول لله: “أب!” الذي قلبه هو نعمة من الروح القدس. إسألوه!”