في هذا اللقاء مع زينيت، يقدم لنا المطران فرنسوا عيد نظرته بشأن بعض نقاط المذكرة، وتزامنًا مع عيد مار مارون يساعدنا للنظر إلى حاضر الموارنة على صدى ماضيهم وعلى ضوء مستقبلهم.

المطران فرنسوا عيد هو المعتمد البطريركيّ المارونيّ لدى الكرسي الرسوليّ والوكيل البطريركيّ العام في روما. وهو رئيس المعهد الحبريّ المارونيّ منذ 2012 بعد أن كان رئيس أساقفة القاهرة المارونيّ 2006 – 2012 وقبل ذلك رئيس عام الرهبانيّة المارونيّة المريميّة 1999 – 2005. هو باني جامعة سيّدة اللويزة NDU وقد كان رئيسها لمدة عشر سنوات من عام 1983. درس الفلسفة واللاهوت والقانون الكنسي والموسيقى في روما وخدم الرسالة المارونية في كندا بين 1975-1983 .

* * *

لبنان الحديث وليد جهود البطريرك الياس الحويك، وقد ذكر بذلك البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في المذكرة الوطنية التي صدرت في هذه الأيام. هل شارف هذا الدور على الغروب؟

المطران فرنسوا عيد: إن مساهمة البطريرك الياس الحويّك كانت تتويجًا لجهودٍ كثيرة قام بها الموارنة وشركاؤهم في الوطن للوصول إلى الاستقلال.

كانت فكرة جمع أبناء الوطن على مفهوم واضح هو: "إستقلال لبنان وعدم انحيازه لا للشرق ولا للغرب".

اليوم نجد أنّ اللبنانيين عادوا إلى جرّ لبنان إلى المحاور الإقليميّة وبالتالي تجريده من استقلاله والنتيجة : هذا الانقسام العاموديّ الخطير الذي يصيب الوطن.

البطريرك الراعي ذكّر الموارنة بأنّ أجدادهم وآباءهم ساهموا في توحيد اللبنانيين  حول  فكرة "الاستقلال عن المحاور". واليوم لا نزال أمام المشكلة ذاتها... والمسؤوليّة تقع أوّلاً على السياسيين الموارنة اليوم لأنهم لم يستطيعوا  أن يوحّدوا كل فئات المجتمع حول" فكرة الاستقلال الحقّ والدولة القويّة والعادلة".فبدلاً من أن يجمعوا ، تشرذموا هم.

أنا أعتبر أنّ دور الموارنة لم يغرب بعد... بل أنّ عليهم مسؤوليّة أكبر في توحيد اللبنانيّين لكي يقدّموا لكلّ دول المنطقة "لبنان المثال بتعدّديّته الحضاريّة" التي تحترم الإنسان وحقوقه الأساسيّة.

وحده نظام لبنان كان ولا يزال، وسيبقى المثال الأفضل للحكم في زمن الجاهليّة الذي يعيدنا الجهاديون  إليه. البطريرك الراعي يحثّ الموارنة  لكي يستأهلوا إرث آبائهم الكبير ويكونوا على قدر المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم،  وسينجحون في هذا الدور-الرسالة بتفانيهم في خدمة الوطن بتجرّد.

ربوع المارونية الأصلية – سوريا ولبنان – باتت أشبه بأرض منفى لكثيرين والرغبة في الرحيل لا يردعها تعلق بالأرض بل صعوبة في إيجاد المخارج للهجرة والتغيير. كيف تستطيع رسالة مار مارون أن تحاكي آمال هذا الشعب؟

المطران فرنسوا عيد: لا شكّ في أنّ الوضع السوري المتفاقم والاضطراب الدائم في لبنان يدعو الكثيرين من الموارنة للهجرة. لكنّني أرى أنّ الأمور سوف لا تظلّ بهذه الحدّة والعنف... ومتى حكم أبناءُ سوريا وطنهم – لا غرباء الجهادية – ستتحسّن الأوضاع.

الموارنة هم  أبناء الرجاء وقياميّون! والأرض هي أرض مقادسهم وهنا مارسوا رسالتهم بكلّ وجوهها. فهل سيتنكّرون لهذه الحضارة الكبيرة التي صاغوها طيلة أجيال مع أخوانهم المسلمين ؟ لا أظنّ! لكن أعلم أن وجودهم في هذه الارض له طعم الشهادة والدم.

يذكرنا البطريرك في المذكرة الوطنية بأن ما أنجره اللبنانيون في زمن التأسيس هو خبرة دستورية وسياسية رفيعة. ماذا ينقصنا اليوم لنعود إلى رقي آباء لبنان الحديث؟

المطران فرنسوا عيد: نعم ما أنجزه آباؤنا كان خبرةً دستوريّة وسياسيّة رفيعة. أنظر حالة الدولة اللبنانيّة اليوم وقابلها بالوضع قبل 1975: إنهيار تامّ وشامل أو على الأقلّ ، على شفير الانهيار، وسياسيّو الموارنة أصبحوا "ملحقين" بالأحزاب أو الفئات الفاعلة: أي "تابعين" لقرارات سواهم  لا لمتطلبات استقلال وطنهم وخلاصه.

ينقصنا أن يعود سياسيو الموارنة ولبنان إلى حرّيّة  وقيم آبائهم وتجرّدهم ، لأن الوطن في حريته واستقلاله أهم من المناصب والمصالح الفئوية والخاصة.

"ما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل". على غرار الجزء الرابع من المذكرة، ما هي الأوليات الثلاث التي تعتبرونها أساسية لإعادة إحياء أمل النهوض والبقاء، لا بل حتى الرجوع إلى لبنان؟

المطران فرنسوا عيد: الأوليات الثلاث الأساسيّة للنهوض:

1- التأكيد علىالعيش المشتركبين اللبنانيّين وإلاّ فلينظروا في حلّ آخر "كالفراق اللطيف" مثلاً أو الثورة المخمليّة ( كما  حدث بين تشيكيا وسلوﭭـاكيا).

2- الالتزام المطلق بحصريّة الدولة القويّة والعادلة وهذا

يلغي تهميش المسيحيّن ويعطي الحقوق للجميع

ويلغي الفساد

ويُخرج من الإقطاعيّة السياسيّة

و يحرّر من الطائفيّة في السياسة

ويمنع حمل السلاح "المفروض" على الجميع تحت أي شعار، ويحصره بالجيش والقوى الأمنية فقط،

ويقيم دولة القانون.

3- تحييد لبنان عن المحاور الإقليميّة والدوليّة.

        فالانتماء يكون للوطن أوّلاً وآخرًا

لالولاية الفقيه ولا لنصرة "الأمّة".

هل قوضت الحرب السورية آمال السينودس الخاص من أجل الشرق الأوسط؟ كيف يستطيع هذا الجهد الكنسي الفريد، مع الإرشاد الرسولي الذي صدر عنه أيضًا، أن يهدي خطوات المنطقة في هذا الزمان؟

المطران فرنسوا عيد: كلّ الحروب تزرع الخراب ليس المادّيّ فقط بل الح ضاريّ والإنسانيّ والروحيّ. ألم يقل المؤرّخ البريطانيّ آرنولد توينبي "إنّ الحروب هي مقبرة الحضارات"؟

نعم الحرب السوريّة وامتداداتها اللبنانيّة ستعيق تطبيق توجهات "سينودس الشرق الأوسط". إنّما عند نهاية الأزمة ستصبح الحاجة لصوت العقل والدعوة للمصالحة والتعاون والتفاعل بين الجماعات، أكثر إلحاحاً. وكذلك ضرورة شهادة المسيحيّين المشرقيّين والالتزام بأرضهم وتراثهم وإيمانهم... والعيش المشترك!

ماذا هي النصيحة التي تقدمها للموارنة الذين يعيشون في بلاد الانتشار، للحفاظ على تراثهم وللاسهام في نهوض ونهضة المشرق؟

المطران فرنسوا عيد: الأمانة لمارونيّتهم الروحيّة والحضاريّة أوّلاً. أمّا "السياسيّة" فجاءت في زمنهم الرديء. لذا أدعوهم لعيش حضارتهم، حضارة التعدّديّة واللقاء حيثما حلّوا  وألاّ يحملوا معهم الى بلدان انتشارهم "تماثيل أصنامهم السياسيّة". لأنّ هؤلاء بعنادهم وأنانيّتهم "يقودون البلاد إلى شفير الهاوية"، كما قالت المذكرة الوطنية التي أعلنها البطريرك الراعي.

"تذكار مار مارون"

عيده
شعار البطريركية المارونية التي اتخذت من مارون أبًا وشفيعًا.
بشكل عام، اعتادت الكنيسة أن تقيم تذكار قديسيها يوم وفاتهم، أو وفق المعنى الكنسي، يوم ولادتهم في السماء، إلا إذا تضاربت ذكرى وفاة هؤلاء مع أعياد كنسيّة هامة، فتقيم ذكراهم في يوم تلقيهم رسامتهم الكهنوتيّة أو الرهبانية، لذلك فإن العيد الأول للقديس مارون، وهو في 14 فبراير، والذي لا يزال معتمدًا حتى اليوم في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وسائر الكنائس التي تبجله، قد يكون يوم وفاته أو يوم رسامته الكهنوتيّة، ومن المحتمل أن يكون الموارنة حتى القرن السابع قد اتخذوا من 14 فبراير عيدًا وذكرى للقديس مارون.
يذكر المطران يوسف الدبس، أن مار يوحنا مارون، عندما انتقل إلى لبنان في الهزيع الأخير للقرن السابع، نقل معه هامة القديس مارون، ووصل إلى البترون في 5 يناير فشرع الموارنة بالاحتفال بعيد القديس مارون في ذلك اليوم. 
حسب التقليد الماروني أيضًا، فإنه عند وفاة مار يوحنا مارون شرع الموارنة بالاحتفال بذكراه في 9 فبراير، وهو تاريخ تدشين الكنيسة والدير الذي شيده في كفر حي لدى وصوله إليها، ومن ثم دمجت الكنيسة بين عيدي القديسين في يوم واحد هو 9 فبراير، كما يظهر في الكتب الليتورجية المارونية. 
لاحقًا في القرن الثامن عشر نقلت البطريركية المارونية عيد مار يوحنا مارون إلى 2 مارس، وهو ما اعتبر بحسب التقليد الماروني تاريخ وفاته، وإبقاء تاريخ 9 فبراير لتذكار مار مارون وحده، وهو ما لا يزال متبعًا حتى اليوم.