إبتسمت الأخت “أوفرازي” لسؤال الصغيرة “لي” البالغة عشر سنوات و التي تتحضر للمناولة الأولى في إحدى المدارس الراعوية الصينية:”لمَ لم يعلمنا الرب يسوع أن نقول:أعطنا أرزَنا كفاف يومنا”؟
يتناول الأولاد الأرز هناك صباحاً،ظهرا،ومساءً، فكيف يجيب المرء على سؤال كهذا؟أجابت الأخت “أوفرازي” التي كانت لامعة في قلبها أكثر مما هي عليه في علم اللاهوت :
“إنه الخبز…يعني القربان المقدس! تطلبين يا صغيرتي من يسوع الحبيب المناولة اليومية:فلأجل جسدك تحتاجين الأرز أما روحك التي تفوق جسدك قيمة فهي تتوق لهذا الخبز: يسوع خبز الحياة!!”
وفي شهر آيار الربيعي عندما تلقت “لي” مناولتها الأولى، طلبت الصغيرة من يسوع:
“أعطني دائماً خبزاً يوميا كي تحيا روحي وتكون في صحة جيدة!! ومذ ذاك صارت “لي” تذهب الى المناولة يومياً. و لكنها كانت تدرك أن “الذين لا إله لهم” قادرون في أي لحظة أن يمنعوها من تناول يسوع في القربان.
وفعلاً في أحد الأيام دخل الشيوعيون الى الصف و قام المفوض بإنتزاع المصلوب المعلق على الحائط و رماه أرضاً و أخذ يدوسه صارخاً:”لن تسمح الصين الجديدة بهذه الخرافات البدائية بعد الآن!!” ولما حاولت الصغيرة “لي” أن تخفي في قميصها صورة الراعي الصالح التي كانت تذكار مناولتها الأولى،تلقت صفعة رنانة جعلتها تقع أرضاً. و استدعى المفوض والد الطفلة وأخذ يهينه قبل أن يقيده.
في ذلك اليوم، كان جميع سكان القرية الملاحقين من الشرطة مكدّسين في الكنيسة للإستماع الى نوع جديد من “الخطب”:
إليكم ما سأفعله ب”حضوره الحقيقي”… أيها الأغبياء: كل هذا هو خدع من الفاتيكان لإستغلالكم بشكل أفضل!!!
ومن ثم أتى الأفظع: أمر رجاله بصوت راعد بتحطيم بيت القربان ورمى القرابين كلها على الأرض بنفسه أمام الجمع المصعوق الذي يختنق بصرخة صامتة!!
بقيت”لي” الصغيرة مسمرة في مكانها: ألن يأتي أحد للدفاع عن يسوع؟ كان المفوض يسخر وتتخلل شتائمه ضحكة قاسية، ثم وهي تبكي بصمت صرخ :
“الى الخارج،إرحلوا!!والويل للذي سيتجرأ على العودة الى كهف الخرافات هذا!!!”
فرغت الكنيسة ولم يبق إلا الملائكة الحاضرين دائما حول يسوع في القربان لعبادته، وشاهد آخر متألم:إنه الأب لوقا،من الإرساليات الأجنبية،كان أهل الرعية يخبئونه في عزلة الخورس. ولو قام بحركة واحدة لتم توقيف أهل الرعية الذين أخفوه بتهمة الخيانة… وفيما هو يتحسر،كسر صرير باب الكنيسة الصمت الثقيل: إنها “لي” الصغيرة!! راح الأب لوقا يرتجف خوفاً عليها: فقد تتسبب بقتلها في أي لحظة!!أخذ يبكي عدم قدرته على التدخل ولم يسعه ألا النظر والتوسل الى جميع قديسي السماء لينقذوا الطفلة.
خرت الصغيرة وسجدت بصمت وبيدين مضمومتين تلت صلاة غامضة لعزيزها يسوع الذي أسيئت معاملته. ثم رآها الأب لوقا تنحني وتتلقف القربانة بلسانها!! قربانة واحدة !!… ليته يستطيع الحديث اليها وحسب!! و لكن الطفلة التي غادرت بهدوء كانت تعود رغم كل عمليات التصفية و التفتيش في القرية وضواحيها….وكان الأب يتمرمر في كل يوم “بحبسه “…هويعرف عدد القرابين: اثنتان و ثلاثون. ألا تعرف أنها تستطيع أن تلتقط قرابين عدة في الوقت نفسه؟؟ كلا ، إنها لا تعرف. كانت الأخت “أوفرازي” قد علمتها: قربانة واحدة في اليوم ولا يجوز لمسها بل نتناولها باللسان!!و التزمت الصغيرة بالقوانين.
ذات يوم،لم يبق إلا قربانة واحدة. عند الفجر،تسللت الطفلة كالعادة الى الكنيسة و ركعت وصلت أمام القربانة،و خنق الأب لوقا صرخة: فقد صوّب أحد الرجال المسلحين مسدسه نحوها: لقد انكشف أمرها!! ثم لم يُسمع سوى ضربة تبعتها قهقهة: تهاوت الطفلة،إنهار الأب لوقا،ظنها ماتت، ولكن…هاهي تزحف بصعوبة نحو القربانة لتلصقها بفمها ثم إنتفضت بعض المرات وتبع ذلك هدوء فظيع:ماتت الصغيرة “لي” وأنقذت القرابين كلها!!!
تؤكد الأم إيمانويل مايار أن “لي” الصغيرة هي ملهمة الأسقف ” شين” الشهير الذي يُعتبر عملاق في التبشير بالإنجيل.فقد كان برنامجه التلفيزيوني يحصد حوالى ثلاثين مليون مشاهد كل أسبوع. هذا المطران الكبير الذي بكاه الملايين عند رحيله لم يلهمه لا بابا و لا كاردينال ولا فيلسوف ولا عالم إنما تلك الطفلة المجهولة الفقيرة من أعماق الصين. و يخبر أنه من اليوم الذي اكتشفها قطع وعد للرب :كل يوم في حياته حتى اليوم الأخير سيقوم بساعة سجود أمام القربان المقدس.
واليوم، يتم تعذيب يسوع مراراً حين يهمله مؤمنوه في الأسرار: يتناولونه فيما يعيشون في خطايا جسيمة يسميها الكتاب المقدس “أدناس” تتسبب بموت الروح ولا يتقدمون للإعتراف… كنائسه فارغة في بحر الأسبوع وتشتاق لكثيرين أيام الآحاد، ساعات السجود أمامه تقع تحت خانة “اللامبالاة” في حياتهم…
اليوم، نعم، اليوم لعّل كل قلب مؤمن يتبنى قلب "لي”الصغيرة ويكمل
سارقو الله
وردت هذه القصة الواقعية في كتاب “سارقو الله” لماريا فينوفسكا: