في الذكرى السنوية الأولى لاستقالة بندكتس السادس عشر تحدث مدير دار الصحافة الرسولية التابعة للكرسي الرسولي الأب اليسوعي فيديريكو لومباردي الى إذاعة الفاتيكان عن هذا اليوم التاريخي الذي سجل منذ سنة مستهلا حديثه بالقول: “لقد مرت قرون على الاستقالة البابوية الأخيرة، وبالتالي، تفاجأ بها الكثير من الناس، ولكن من كانوا بالقرب من بندكتس السادس عشر شعروا بأنه لمح عن استقالته مرات عدة. فكر البابا المستقيل بالموضوع كثيرًا، وتأمل به ليصل الى اتخاذ قراره، فألقى كلمة في يوم استقالته شرح فيها بكلمات مقتضبة ولكن واضحة المعايير التي على أساسها اتخذ قراره. إنه لقرار عظيم هذا القرار الذي يتخذ بحرية، ويؤثر حقًّا على وضع الكنيسة وتاريخها. استند قرار البابا على عمق روحي وصلوات كثيرة، وشجاعة عظيمة…”
تساءل العديد من الناس في السنة الفائتة كيف ستكون هذه الحالة التي لم يسمع بها أحد وهي وجود بابوين، ولكننا نرى اليوم أن هذه المخاوف، التي طرحها “خبراء” أكثر من ناس عاديين كان مبالغًا فيها.
نعم، من وجهة النظر هذه، يبدو من الواضح تماما بالنسبة لي أنه لا ينبغي أن يكون هناك أي خوف على الإطلاق. لماذا؟ لأن المسألة هي أن البابوية هي خدمة وليست سلطة. إذا كانت المشاكل في إطار السلطة، فمن الواضح أنه يمكن لشخصين أن يواجها صعوبات في التعايش بسبب حقيقة التخلي عن السلطة والحاجة إلى العيش مع الخليفة. ومع ذلك، إن كان الأمر كله يتعلق بالخدمة، إذًا الشخص الذي أدى خدمته أمام الله بوعي كامل، سيمرر الخدمة الى الشخص الآخر الذي سيكمل مهمته بوعي وضمير، ولن يكون هناك أية مشكلة! هناك تضامن روحي عميق بين خدام الله الذين يسعون الى خير شعب الله في خدمة الرب.
استقال البابا بندكتس السادس عشر ولكنه أكد بأنه سيستمر بخدمة الكنيسة من خلال صلواته. هذه حقًّا مساهمة استثنائية قدمها ولا يزال الى اليوم يقدمها أليس كذلك؟
نعم…مساهمة شخصية بسيطة. في كل مرة كنت أمر فيها لألقي التحية على البابا بعيد المقابلة العامة كان يعطيني مسبحة الوردية، وكان يقول لي: “يجب ألا ينسى الكهنة أن يصلوا.” لم أنس ذلك أبدًا، لأنه أظهر ولو بشكل بسيط اهتمامه بالمكان الذي تشغله الصلاة في حياتنا، وبشكل خاص في حياة من هم مسؤولون عن خدمة الرب. بالتأكيد كان بندكتس رجل صلاة، في حياته كلها، وعلى الأرجح تمنى بأن يحظى بوقت ليعيش فيه هذا البعد من الصلاة في مساحة أكبر وعمق أكبر، وقد حظي بوقته الآن.
لا تخلو حياة الصلاة التي يعيشها البابا بندكتس من بعض اللقاءات فكما نعلم لقد التقى البابا فرنسيس أيضًا. فماذا يمكنم أن تقولوا عن هذه الحياة المخفية ولكن غير المعزولة لجوزيف راتزينغر؟
أعتقد أنه أمر منطقي أن ندرك بأنه يعيش حياة سرية، من دون اختلاط عام، ولكن هذا لا يعني بأنه يعيش معزولا أي مستحبسًا. هو يمارس النشاطات العادية التي يمارسها أي شخص بعمره، وأنا أعني أيّ شخص ديني أي حياة صلاة، وتأمل، وقراءة، ويجيب على الرسائل التي يتلقاها، يلتقي بأشخاص مقربين منه ويعتبر الحديث معهم مفيد، فيسألونه مشورته وقربه الروحي. إنها حياة شخص غني روحيًّا، ويتمتع بخبرة كبيرة في علاقة سرية مع الآخرين…ما تغير هو البعد العام الذي اعتدنا عليه حين كان بابا، أي ظهوره على التلفاز ولفت انتباه العالم أجمع، ولكن غير ذلك هو يعيش حياة عادية مليئة بالعلاقات. من بين العلاقات التي يعيشها البابا توجد العلاقة مع خلفه، علاقته مع البابا فرنسيس التي تتميز بلقاءات وحوار…وهناك وسائل أخرى كالهاتف وتبادل الرسائل وهي برأيي لتظهر تضامن الطرفين مع بعضهما. أظن أنه أمر جميل جدًّا أن نحظى بهذه الصورة عن بابوين يصليان معًا، البابا الحالي والبابا الفخري. إنها علامة جميلة ومشجعة لاستمرار السدة البطرسية في خدمة الكنيسة.
أخيرًا، لقد تابعتم، أيها الأب لومباردي، البابا بندكتس السادس عشر خلال خدمته. فما الذي يقدمه لكم البابا بندكتس اليوم، شخصيًّا، وروحيًّا منذ 11 شباط الفائت؟
أشعر بحضور البابا بندكتس السادس عشر بشكل قوي، كحضور روحي يرافق الشخص ويشجعه…أفكر بالأشخاص المسنين الذين مروا في تاريخ الكنيسة وفي التاريخ المقدس. بشكل خاص، نفكر جميعًا بسمعان الشيخ، الذي تسلم يسوع في الهيكل والذي نظر بفرح الى مصيره الأبدي والى مصير الجماعة التي تستمر بالعيش على هذه الأرض. نعم، نحن نقدر قيمة وجود كبار السن بيننا، هؤلاء الأغنياء بالحكمة، والإيمان. هم يشكلون حقًّا مساعدة عظيمة للأصغر سنًّا، بمساعدتهم على المضي قدمًا، والنظر الى المستقبل بثقة ورجاء. هذا ما يمثله بندكتس السادس عشر بالنسبة الي، وكذلك بحسب اعتقادي الى الكنيسة: الرجل المسن العظيم، الحكيم، لنقل الطاهر. هو يعطي انطباعًا عن صفاء روحي عميق، كما يحتفظ بامتسامته المعهودة، في الأوقات الجيدة حين نلتقي به، حيث يدعونا للإستمرار بالتقدم متسلحين بالرجاء والثقة.
***
نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية