أنسلم غرون راهب شارف عمر السبعين وقد كتب خلال حياته الرهبانية الطويلة 300 كتابًا حول الحياة النفسية والروحية. باعت كتبه أكثر من 20 مليون نسخة في العالم. في مقابلة مع جريدة “لاستامبا” الإيطالية، يتوقف الراهب البندكتي الألماني على العمل الروحي الفريد الذي يقوم به مع كبار رجال الأعمال، ويتحدث عن نقاط أساسية في الحياة الروحية. سنستعرض في ما يلي أهم نقاط الحوار الذي دار بين الراهب والصحفي كلاوديو غالّو.
*
أبت، أنا شاب، عندي الآيفون، سيارة جميلة وخطيبة جميلة. ولو لم يكن لدي شيء من ذلك، فجهدي الأول سيكون الحصول عليه. لماذا يجب أن أهتم بالدين؟
آنسلم غرون: الدين يعطي معنى للحياة. الإنسان يتوق إلى النجاح، المال، وسوى ذلك. ولكن هذه الأمور، حتى ولو حصلنا عليها، فهي لا تعطينا الإشباع المرغوب ونبقى بلا سلام. الدين يجيب على عطش النفس الذي هو التوق إلى حياة جيدة.
الكثير من المعلمين الروحيين يدفعوننا للنظر إلى داخلنا، ويدعوننا لاحتقار الواقع الخارجي. ولكن، عندنا يقول يسوع: “أعطوا لقيصر ما لقيصر”، ألا يعترف بأن الإنسان كائن اجتماعي؟
– الحياة الروحية تعنى بالتحول الشخصي، ولكن القديس مبارك (بندكتس) يقول: صلّ واعمل (ora et labora). المسؤولية تجاه العالم هي أمر مهم بالنسبة للمؤمنين. المسيحيون لا يعيشون لأنفسهم فقط، بل يعيشون مع الآخرين ومن واجبهم تغيير المجتمع. ماكس هوركهايمر يقول أن
واجب الدين هو جعل المجتمع أكثر إنسانية، وأن تغذي توق الإنسان إلى الآخر المطلق
.
لماذا يجب أن تكون لدي قيم أخلاقية إذا كان الهدف الأسمى في مجتمعنا هو الغنى، والذي يمكن التوصل إليه بسهولة دون مبادئ أخلاقية؟
– في الدير أقيم مرات كثيرة محاضرات لرجال أعمال. هناك موقفان: الأول لا يحترم القيم ولا يؤمن بها، الثاني يدرك أهمية القيم، لأن عالمًا بلا قيم يضر أيضًا بالاقتصاد.
الاقتصاد يسعى إلى نمو لامتناهٍ. أنت تتحدث عن حس المحدودية، لماذا؟
– كما يقول البابا، الرأسمالية الصافية تضحي غير إنسانية… المحدودية لها معنيان. الأول هو المحدودية الشخصية، محدوديتي كإنسان. الثاني هو محدودية الطبيعة، حيث كل نمو محدود ومصيره الأخير هو التوقف، الموت. نوعية هذا النمو الطبيعي يجب أن تكون مثال الاقتصاد. ففكرة النمو اللامحدود هي فكرة مريضة.
تشدد المسيحية على حرية الإنسان، ولكن العلوم الحديثة تعتبر الإنسان مجرد آلة بيو-كيميائية. هل تكفينا حبة كيميائية لكي نكون سعداء؟
– حرية الإنسان ليست مطلقة. يعلمنا علم النفس أننا نعتمد على الآخرين منذ مطلع تاريخنا الشخصي، انطلاقًا من جراحات طفولتنا. هناك قصة لا يمكننا أن نبدلها، حتى ولو أن الجواب عنها هو من مسؤولياتنا. ماذا يحدث عندما أنظر إلى الطبيعة الجميلة؟ ماذا يحدث عندما أسمع موزارت؟ لست هناك بصدد تفاعلات كيميائية مجردة! هناك سر، هناك شيء أكثر ويجب أن أعي ذلك.