أخيرًا لا بدّ من التذكير بأنّ العائلة، ومن خلال حياة الشراكة بين الأزواج والأولاد، هي مسارٌ ومسيرة نحو القداسة. من هنا يتوجّب على العائلة أن تسهر على الفضائل الإلهيّة وتعزّز نجاح القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة، حاملة لواء الحبّ المقدّس والسعادة “المعقولة” و”الممكنة” لأفرادها وأفراد المجتمع. إنّ العائلة المارونيّة هي مكان الأنجلة الجديدة لا سيّما في هذه المنطقة التي تمرّ بظروف صعبة وقاسية، والمهدّدة دومًا في وجودها. فالإيمان الواعي والعميق والراسخ على الصخرة يثبّت العائلة والكنيسة في هذه الأرض المقدّسة التي زارها السيّد المسيح. من هنا يقع على عاتق المسؤولين في الكنيسة المارونية السهر الدائم من أجل مساندة العائلة على جميع الأصعدة، لا سيّما في مجال إكتشاف الإيمان وإحيائه، والذي يبقى الوسيلة الأولى لتخطّي الصعوبات والتفتيش عن الحلول. فالإيمان المقرون بالأعمال الصالحة هو المبدأ والغاية لوجود الإنسان المسيحي. نذكّر بأنّ عمل الكنيسة هو إعلان الإيمان وعرضه من أجل خير الإنسان، كلّ إنسان. وعلى الدولة تأمين حياة لائقة بالمواطنين كي يمارسوا مواطنيتّهم على أكمل وجه، فيغدو البُعد الإيماني مكمّلاً روحيًّا للكيان الإجتماعي. فتأمين التعليم والعمل والمسكن والطبابة والحياة التقاعديّة أمور تقع على عاتق الدولة المولجة رعاية وتوفير سبل الحياة الكريمة إلى مواطنيها. علمًا أنّ المسيحيين، وبالأخصّ بعض الموارنة، تختلط عليهم الأمور، إذ يعتقدون أنّ كنيستهم مُلزمة بتأمين ضرورات الحياة، والتي هي أوّلاً وأخيرًا من واجبات الدولة.
إنّ أهم عوامل نجاح العائلة هو الإعداد الجيّد للزواج، من خلال مراحله ولا سيّما في مراكز الإعداد التي أوتيت من عطايا ومواهب وحسن إدارة وعلم، وعملت على توعية الشباب على أهمية دورهم الطليعي في بناء مؤسسة الزواج بهدف تأسيس عائلات لبنانيّة مسيحيّة حيّة، تبذل ما بوسعها للحفاظ على رباط المحبّة والقيم وعلى وحدة الأفراد والجماعات والحركات الرسوليّة المسيحية ونموّها في كنف العائلة. من هنا يدرك شبابنا وشاباتنا الموارنة بأنّ التواصل المستمر مع الكنيسة ومؤسساتها ولجانها يُسهم في حماية العائلة قدر المستطاع من آفات التيارات والعادات والسلوك أللأخلاقية. تؤكّد الكنيسة بأنّ الزواج رجاء يتحقق كلّ يوم من خلال الشريكين، وينمو بالزرع الصالح والتواصل العميق والحبّ الصادق، كما بالمحن والتضحيات ويتأصّل بالمسامحة ويُثمر بالوفاق المتبادل، ليبلغ الزوجان في وئامٍ متبادل إلى “قامة ملء المسيح”.
نأمل من سينودس الأساقفة الذي سينعقد في روما في تشرين الأوّل 2014 حول “التحديات الراعوية للعائلة في إطار الأنجلة”، أن يعزّز موقع العائلة ودورها في الألفيّة الثالثة، لتبقى شهادة للحبّ والتضامن من أجل مجتمع سليم مُعافى من أمراضه الكثيرة والمتزايدة.
الأب نجيب بعقليني
دكتور في اللاهوت الراعوي
أخصّائي في راعوية الزواج والعائلة
[1] يوحنّا بولس الثاني، وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم، عدد 172 المجمع البطريركي الماروني، النصوص التوصيات، بكركي، 2006 ص.345
المراجع:
– الكتاب المقدّس.
– المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الكنيسة، نور الأمم.
– المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور رعائي الكنيسة في عالم اليوم، فرح ورجاء.
– يوحنّا بولس الثاني، في وظائف العائلة المسيحيّة في عالم اليوم، المركز الكاثوليكي للإعلام، 1981
– المجمع البطريركي الماروني، النصوص والتوصيات، بكركي، 2006
– من العائلة إلى العائلة… أيّة عائلة، اليوم؟ منشورات جامعة سيّدة اللويزة، لبنان، 2002
– التربية في العائلة: أي دور للأهل والإعلام؟ منشورات جامعة سيّدة اللويزة، لبنان، 2004
– كلوديا أبي نادر ونجيب بعقليني، كي نبقى معًا: الزواج: واقع وآفاق، الجامعة الأنطونيّة، لبنان، 2005
– نجيب بعقليني، الطريق إلى الزواج، الجامعة الأنطونيّة، لبنان، 2007
ملاحظة: أفكارٌ راعوية تُصلح لسينودس الأساقفة في روما (تشرين الأوّل 2014) حول “التحدّيات الراعويّة للعائلة في إطار الأنجلة”.