قاموسا هو ضدّ الرّفق. وبحسب ما تعنيه اللفظة العربيّة، يشير إلى نوع من المعاملة القاسية أو التّهديد باستعمال القوّة ضدّ أيّ كان أو ممارسة العُدوانّية على الآخرين في أجسادهم أو نفوسهم أو أذهانهم أو مشاعرهم أو ممتلكاتهم. تتعدّد أنواع العنف وأشكاله؛ فمنه الإرهاب، والاستبداد، والتسلّط، والقهر، والطّغيان، وضغط الأنظمة الدّيكتاتوريّة والشّموليّة، وهناك العنف الفكريّ، والدّينيّ، والاجتماعيّ، والأسريّ، والإعلاميّ، وغيره الكثير.
يقول عالم النّفس توماس هوبز ((Thomas Hobbes[1]، إنّ في طبيعة الإنسان ثلاثة أسباب رئيسة للنّزاع: المنافسة، وعدم الثّقة، والمجد[2]. وقد أكّد قدماء الفلاسفة كأناكسيماندروس[3](Anaximandre) : “إنّ الأشياء منذ لحظة ولادتها تخضع لقانون الضّرورة أي للفناء الحتميّ. ذلك أنّها تتناوب العدوان– العنف على بعضها البعض عبر القصاص والتّكفير عن المظالم”. وقال هيراقليطس (Heraclitus ) [4]: “إنّ العنف هو أبو وملك كلّ شيء”[5].
أمّا سقراط[6]، فقد أدان الاستخدام المبالغ فيه للقوّة والسّلطة وحتّى للخطاب، أو القول “العنيف”، لأنّ ذلك يحدّ من عمل العقل والجمال والتّوازن والانسجام[7].
العنف بالنّسبة إلى علم النّفس، هو تفجير للشّدة، والقوّة، والغضب، والعدوانية، يظهر وكأنّه إسكات لصوت العقل والوعي، ويصل إلى حدود القتل. وفي علم الأخلاق هو اعتداء على أملاك الآخرين وعلى حرّيتهم. وفي بعده الدّينيّ هو استعمال القوّة لفرض العقيدة، وإلغاء الإيمان المختلف. وفي بعده السّياسيّ هو استخدام القوّة لتحقيق المآرب السّياسيّة. أمّا الحرب فهي شكل من أشكال العنف المنهجيّ والمنظّم.
كان هيغل[8] أوّل فيلسوف أدرج العنف في نشوء الوعي الذّاتي. فلكي تكون على يقين من وجودك يجب أن يوجد الآخر أيضا، وأن يعترف بك كموجود. وهكذا يصبح الصّراع من أجل الحياة يصبح صراعا من أجل الاعتراف. إنّ هذه المخاطرة تفترض القوّة أو العنف الذي تواجهه. كما اعتبرت الماركسيّة من جهتها أنّه لا يمكن الإفلات من العنف، لذلك دعت إلى حلول تطبيقيّة في مواجهة الأريستقراطيّة، لا تحقّقها إلاّ “الثّورة العنيفة”[9].
[1] (1588 –1679) فيلسوف وعالم رياضيّات إنكليزيّ.
[2] العنف حقائق وقضايا، منشورات جامعة سيّدة اللويزة، زوق مكايل – لبنان، 2008، ص. 27-30
[3] فيلسوف يونانيّ (610- 546 ق.م.).
[4] فيلسوف يونانيّ (576-480 ق. م.).
[5] راجع، سعود المولى، في الحوار والمواطنة والدّولة المدنيّة، دار المنهل اللبنانيّ، بيروت، 2012، ص. 459.
[6] فيلسوف يونانيّ شهير (469-399 ق.م.).
[7] راجع، سعود المولى، في الحوار والمواطنة…، ص. 460.
[8] فيلسوف ألمانيّ كلاسيكيّ (1770-1831).
[9] راجع، سعود المولى، في الحوار والمواطنة…، ص. 462-464.