يقولُ الأسقف روان ويليامس : ” لو كان التلاميذ يوثّقون عودة عجائبيّة لـ”جثّة ” إلى الحياة ، لكانوا أخطأوا خطأ فادحًا في عملهم ، ولكنّهم لم يفعلوا ذلك ، بل كانوا يبذلونَ جهدًا مضنيًا ليلتحقوا بيسوع الذي كان يدعوهم إلى حياته الجديدة ” .
أذكر أيضا ما يقوله القدّيس توما الأكوينيّ ، في أنّ القيامة ، ليس لم يعاينها أحدٌ فحسب ، بل لا يمكن معاينتها . لا يمكننا أنا وأنت الآن ، ومن يقرأ هذا الموضوع ، أن نتخيّل ونتصوّر كيفَ هو جسدُ القائم من الموت ، ولا جسدنا الذي سيقومُ أيضا ؛ لإنّ قيامة المسيح ، هي باكورةُ قيامتنا أيضا . هو السبّاق ، ونحنُ نلحقهُ في الإيمان والحقّ ، لإفتداء أجسادنا وقيامتنا في المجد .. فلو لمْ يقم المسيح ، فإيماننا باطلٌ يقول القديس بولس .
يقولُ الأب سبستيان مور : ” لقد غابتْ الجثّة من القبر لتُزيلَ العلامة السحيقة عن أنّ ذاك الذي ماتَ هو بين الأموات . وقد عُرفَ أنه ليس في عداد الموتى من طريقة القلب المتّقد ، لا بغيابه من القبر ، بصرف النظر عن تلك الرؤية والتحوّل ..
اختمُ بما يقولهُ البابا بنديكتوس السادس عشر حول ” قيامة الجسد – قيامة الأموات ” ، لإن موضوعنا مرتبطٌ بهذا ..
إنّ نصّ 1 كور 15 : 35 ، يجابه الرسول بولس رأيًا يحاولُ أن يُبيّن ” أنّ فكرة القيامة مناقضةٌ للعقل من خلال السؤال : كيف يقومُ الاموات ، وبأيّ جسد يرجعون ؟ (آية 35). فمقابل هذا الرأي ، يعالجُ بولس مسألة ” جسديّة القيامة ” وذلكَ من خلال إختيار الجسد الجديد للربّ القائم على مفهوم قيامة الأموات. هذا يعني أن بولس يناقض ، عمدًا ، المفهوم اليهوديّ السائد ، الذي يعدّ جسد القيامة متماهيًا تمام التماهي مع الجسد الأرضيّ وعالم القيامة مجرّد إستمرار للعالم الأرضيّ . إن اللقاء مع المسيح القائم ، الذي بصفة كونه ” الآخر المطلق ” ، ينحجب عن الرؤية والإدراك الأرضيّين ولا يخضعُ لنواميس المادّة ، بل يصيرُ منظورًا بطريقة ظهور إلهيّ ، هذا اللقاء يهدمُ بصورة ٍ لا عودة عنها ، مفاهيم بولس اليهوديّة : ” بيدَ أنّي أقولُ لكم ، أيها الأخوة ، إن اللحم والدم لا يستطيعان أن يرثا ملكوت الله ، ولا الفاسدَ أن يرثَ عدم الفساد ” آية 50 . إذن، وكما يقول البابا بنديكتس ، هذا يقطعُ الطريقَ قطعًا جازمًا ، أمام أيّة نظرة ٍ طبيعيّة أو ماديّة عن القيامة .
الجسد، في نظر بولس ، لا يوجدُ فقط على الطريقة الآدميّة في جسد ٍ تحييه النفس ، بل أيضا على الطريقة المسيحانيّة التي يظهرُ مثالها مسبّقا في قيامة المسيح ، في جسديّة تصدر عن الروح القدس ، فبولسُ لا يقابل الواقعيّة الطبيعيّة الصرف ، بمفهوم ٍ روحانيّ محض ، بل بـ ” واقعيّة روحانيّة ” .
أخيرًا ، ليست الذرّات والجزيئات هي بحدّ ذاتها- الإنسان . فإن ماهيّة الجسدانيّة لا تتعلّق بها ، بل تتعلّق بالحريّ ، بكون المادّة خاضعة لقوّة التعبير التي تمتلكها النفس ، فبما أن النفس ، من جهة ، تتحدّد إنطلاقا من المادّة ، هكذا من جهة ثانية ، يُحدّد الجسد ، بمجملهِ ، إنطلاقا من النفس . الجسد والجسد عينه ، هو ما تبنيه النفس لتعبّر عن ذاتها جسديّا وبما أن الجسدانيّة هي الآن ، ملازمةٌ للكيان الإنسانيّ بشكل ٍ لا ينفصل ، لذلك بالضبط ؛ لا تحدّد ماهيّة ” الجسدانيّة ” إنطلاقا من المادّة ، بل من النفس . فما بالكَ ، إن كانت النفسُ والمادّة والجسدانيّة (الإنسان كاملا ) يسوده روح الله … ! فيصبحُ جسد الإنسان (أي الإنسان ) في عالم الله المدهش .. جسدًا متجلّيا ، متحوّلا ، لا نقدرُ أن نصِلَ إليه الآن ، لإدراكه بحواسنا ووعينا وفكرنا وأفقنا الضيّق .. أؤمن فقط !