نعم مريم

روح “نعم” الزواج المسيحيّ و “نعم”الحياة التكرّسيّة

Share this Entry

تشتق كلمة “نعم” من الفعل نَعَمَ، الذي يدل على رفاهية العيش والحياة… ونعم تعني أن ما سأفعله إنعاماً لعينيك وإكراماً لك (المنجد في اللغة والإعلام). إذا كان المعنى لِــ”نعم” يعني ما يعنيه من أمل ورجاء وحبّ وإحترام من أجل الآخر، فماذا  بالحري يكون معنى “نعم” مريم العذراء التي قالتها  للملاك؟ وكيف بإمكان هذه الــ”نعم” إثراء الحياة الروحيّة لدى الأزواج المسيحيين والمكرّسين؟

يقول قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر أن الــ”نعم”، تعني «”دائماً” وتؤسس الإطار لعيش الأمانة…»[1]. لذا، لا أحد يجبرك القيام بأي عمل يتناقض مع حقيقة الإيمان المسيحيّ، حتى لو كلّفك أحياناً  خسران حياتك، لأنّك توقن أن السعادة الحقّة ليست في هذه الأرض بل في السماء (راجع، عبرا 3: 3؛ 6: 4). مريم قالت نعم للسلام المسيحاني الآتي من قبل الآب، لم تخف من أي شيء، لأنها إنتظرت  فداء العائلات والأنبياء والفقراء والمهمشين والأسرى والحزانى والمرضى والخطأة وكأن البشرية نفسها كانت«… موجودة في الــ”نعم” التي بها تجاوبت مريم بسرعة مع مشيئة الله»[2]. فمن خلال والدة الإله، دخل الله الى البشريّة فصار إنساناً حقًّا وهو الإله الحقّ وعلّمنا قيمة نعم أمه[3]. وهو الإله قَبلِ أن يتواضع حتى الإمّحاء الإختياري  فتعلّم “نعم” الإنسانيّة- المريميّة في كل أبعادها،  وطاعة بنويّة لمريم ويوسف (راجع، لو2: 51). إن هذه القيمة المريميّة، ستنطبع في شخصيّة يسوع الإنسان وسنراها بارزة في كل مواقفه وأعماله وكلامه (راجع، يو5: 30)  ولاسيّما في ساعة عذابه وصلبه وموته وحتى قيامته (راجع، لو22: 42؛ يو18: 1). فأمام يسوع الطفل الإله، كانت هناك الإنسانيّة المخلوقة [مريم]  تحيا الـ”نعم” بتأمل وإندهاش (راجع، لو 2: 19 و 35)،  وهو من علّمها كيف تحيا “النعم الإلهيّة” وتقتدي  بشخصه وكلامه وتعاليمه. عاشت مريم  في مطابقة كاملة لإرادة الله، تحققت بوقوفها المتأمّل والصامت والصامد قرب صليب إبنها الفادي مع يوحنا… (راجع، يو19: 25- 27). وهذه النعم المريمية ستطبع الكنيسة الفتيّة بختم لا يمحى، كيف لا،  ومريم  الشاهدة والرسولة الأولى لقيامة إبنها، والنجمة المضيئة لشعب الله، وباب السماءوعرش النعمة وشفيعة لدى إبنها يسوع؟ فهي تبقى  قدوة للرسل والمرسلين وللأزواج والمكرسين، ومقياساً إنجيليًّا  في عيش النعم المطلقة ليسوع المسيح حتى الموت.

 وما زالت نعم إبنة الناصرة وأم الكنيسة،  يتردد صداها الحيّ في كل دعوة مسيحيّة تكرّسية أو زوجيّة وفي كل موقف يتطلّب قراراً في سبيل خلاص الإنسان والعائلة والمجتمع، فالكل يحيا “النعم المريميّة- المسيحيّة” أمام الله والكنيسة. لذا فالــ” نعم” التي يقولها المكرسّون في تكرّسهم الكهنوتي والأسقفي والرهبانيّ، تقتضي منهم مسؤوليّة تحقيقها في أرض الواقع، لأنّه بقدر ما تكون الـ”نعم” مزدهرة في أنماط حياتهم ومؤسساتهم ، بالقدر عينه تدعم وتشجع وتقوي مصداقيّة “نعم الزواج”، وخير مثال على ذلك الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني.  وهذا الفعل ينسحب بدوره على الأزواج فعندما يجاهر العرسان والأعراس “بالنعم” في رتبة الإكليل[4]، يستمدون قوّة “نعمهم” وديناميكيتها من هذا الحضور الدائم لــ”نعم” مريم أمّة وأم  الرب (لو1: 38) ولـ”نعم” يسوع الخلاصيّة تجاه عائلتهم الجديدة،  فتنفذ بقدرة الروح القدس الى أعماق حياتهم الشخصيّة فيحوّلهم الى نعم دائمة للحب والغفران والمسامحة والحياة إزاء ثقافة الموت، ونعم للفرح الحقيقي ومواجهة التحديات، ونعم لعيش حياة روحيّة حقّة أمام الله والناس، وشهوداً لوحدة الزواج وعدم إنحلاله (راجع، مر10: 9) في عالم بات يغرق بالفردانيّة والمتعيّة، والخوف من الإلتزام والثبات والإستقرار.

فمن المفيد في هذا العيد المجيد، أن يجدد الأزواج كما المكرسين “نعمهم” أمام الرب والكنيسة ومريم، بتكريس ذواتهم من جديد لهذه الأم القديسة [أن يعيدوا تجديد “النعم” في إعتراف علنيّ وفي جو من الصلاة والودّ، نعم أنا لك يا رب، نعم نحن لبعضنا البعض بالمسيح، نعم نعاهد ذواتنا أمام الله والعذراء بأن نظل أمناء حتى الموت…]، لأنّها مريم الأم البتول، ساهرة على شعبها تدرك جيداً أنه، متى نقص الحبّ في الحياة التكرّسية والزوجيّة، فهي قادرة أن تطلب دوماً وأبداً من إبنها يسوع، ان يفعل ما فعله في عرس قانا، فيحوّل الموت الى حياة والنقص الى إمتلاء، والفهم الى وعيّ إلهيّ، والضعف الى قوّة، والجروح الى شفاءات (راجع، يو2: 1- 11)، والضجر الى ديناميكيّة وتجدّد، والملل الى إجتهاد، والكسل الى نشاط، والميوعة إلى حزم، لأنه بيسوع وفيه ومنه وبشفاعة أمه ، يزيد فرحنا وإلتزامنا وشهادتنا قداسة من جديد. 

وهل سيأتي اليوم الذي فيه سيتحوّل معنى هذا العيد الى مناسبتين متّحدتين؟  تجديد النعم الزوجيّة والنعم التكرّسية على حدّ سواء؟ نصلي…

[1] – Benoit ΧvІ, Penseés sur la famille, p39.

[2] – البابا يوحنا بولس الثاني، وردية العذراء مريم، فقرة20.

[3] – راجع، راتسينجر جوزيف، مدخل الى الإيمان المسيحيّ، ص 200.

[4] – البابا يوحنا بولس الثاني، رسالة الى الأسر، فقرة 8. 

Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير