نموذج كتابيّ ونموذج تاريخيّ للحوار

لقد شبّه الكاردينال جون نيومن ، في السنة 1841 ، وضعَ الكنيسة بوضع يسوع الصبيّ الذي كان ” في الهيكل ، جالسًا بين العلماء ، يستمعُ إليهم ويسألهم ” (لوقا 2 : 46 ) . إنّ الكنيسة تنظرُ دائمًا إلى العقائد مِنحولها ، وتتفحّصها ، مُعترفة ً بما فيها من صواب ، ومُصحّحة ما فيها من خطأ ، ما يسمحُ لها بأن تفتح نظرها على الآخرين، وتوسّع آفاقها ، وتُطهّر تعليمها من بعض الشوائبْ . إنّ الحِوار المرجوّ ، في المنظر المسيحيّ ، لا يعني إطلاقا إعادة النظر في الهويّة الدينيّة ، بل إنّ دافعه هو أنّ المسيحيّ لا يستطيعُ ، باسم البشرى الخلاصيّة ، ألاّ يُبالي بالآخرين . والحوار المرجوّ يتطلّب من جميع المتحاورين ( الإستماع ) إلى الآخر المختلف ، وإلى ” سؤاله ” ، بروح منفتحة تعترف بما هو خيرٌ ، ذلك بإنّ الله ” لم يَـــفُتْه أن يؤدّي الشهادة لنفسه بما يعملُ من خير ” (رسل 14 : 17 ) ؛ كما أنّ الحوار قد يُثير لدى الآخر ما يستدعي السؤال . وإنّ هذا الثنائيّ ” الإستماع / السؤال ” الصادق والمتبادل بين الأطراف المتحاورة ، إنما يلهمه الله نفسه بابنه (الكلمة) ، وفي روحه (روح المحبّة) . 

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

أمّا النموذج التاريخيّ للحوار ، فتظهر لنا قصّة فرنسيس الأسيزيّ ، ذلك أنه صمّم النيّة على مقابلة السلطان الكامل في مصر ، السنة 1219 ، في غضون الحروب الصليبيّة ، وكان قصده إمّا أن يُقنع السلطان بالدين المسيحيّ ، وإمّا أن يستشهد أمانة ً لإيمانه . وفي نهاية الأمر ، لم يتحقّق لا هذا ولا ذاك ، بل أثمرتْ مقابلتهما بأنّ كليهما قد بدّل مفهومه الخطأ عن الآخر : فلم يجد السلطان أمامه رجلا صليبيّا ، بل رجل الله ؛ ولم يجد فرنسيس أمامه المُضطهِد الذي كان يتوقّعه ، بل حاكمًا متفهّما . فحسْبُ الحوار أن يُثمر مِثل هذا الثمر من التآخي والتفاهم وتصحيح المفاهيم الخاطئة .

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير