من تبحرين إلى  حمص .. شهادتا حب ..

ليلة ميلاد 1993 وفي غمرة الحرب الأهلية المستعرة في الجزائر, طرق مسلحون باب دير “سيدة الأطلس” في الجزائر والذي يقطنه رهبان بندكتيون ترابيست (1)  فرنسيون  , طلبا لإسعاف أحد مصابيهم والدير معروف بوجود طبيب من بين الرهبان يقوم بمعالجة أهل البلدة في مستوصف الدير . لقد اشترط الاب كريستيان دو شيرجيه  (2) رئيس الدير إبقاء الأسلحة في الخارج كشرط وحيد لمعالجة المصاب . 
 
في تلك الليلة بدأ الأخ كريستيان بكتابة ما اعتبره وصيته, أرسلها إلى عائلته في فرنسا, وأبدى فيها استعداده للشهادة.  رغم الأخطار أصر الرهبان جميعم على البقاء في ديرهم بجانب أهالي البلدة القريبة من الدير الذين طالما أحبوهم وأبدو لهم خدمات عديدة من طبابة ومساعدة في الزراعة وحتى ..في  الإرشاد الروحي ..
 
تم اختطاف رهبان الدير  في آذار 1996 من قبل مسلحين مجهولين ليصدر بيان نُسِب إلى “الجماعة الإسلامية المسلحة”   (GIA)(3)  في 21 أيار مايو 1996 يعلن فيه قطع رؤوسهم.
 
ما زالت حتى الآن أسئلة كثيرة حول ظروف مقتل هؤلاء الرهبان تنتظر الإجابة ..
 
مما كتبه الأخ كريستيان في وصيته :
” لو قدر لي في أحد الأيام – وقد يكون  اليوم بالذات – أن أكون ضحية للإرهاب الذي يجتاح كل الأجانب القاطنين في الجزائر فإني أتمنى من جماعتي, من كنيستي ومن عائلتي أن يتذكروا أن حياتي وُهبت لله ولهذا البلد… 
… وأنتَ أيضا .يا صديق اللحظة الأخيرة..والذي لن يعلم ما سيفعل .. نعم من أجلك أنت أيضا أريد أن أقول شكرا و”برفقة الله” .. أرجو أن تتاح لنا الفرصة أن نلتقي سويا , كلصين سعيدين (4) في الفردوس ,إن شاء الله  أبونا كلينا ..” 
…. 
في سورية وعلى بعد آلاف الكيلومترات عن جبال الأطلس المغاربية اختار راهب هولندي يسوعي شاب هو الأب فرانس في الستينات  أن يعيش خادما لكل السوريين . وفي غمرة الحرب السورية المستعرة منذ أكثر من ثلاث سنوات  رفض ترك ديره في مدينة حمص القديمة مشاركا إخوته مصيرهم وسط الموت والدمار والجوع وسوء العناية الصحية .. 
نداءات عديدة أطلقها هذا الراهب البالغ من العمر اثنين وسبعين عاما لتأمين الحاجات الإنسانية للمحاصَرين .. في السابع من نيسان 2014 اقتحم مسلح ملثم دير اليسوعيين في حمص  واقتاد الاب فرانس إلى الخارج ليفرغ رصاصتين في رأسه . 
 
كما رهبان تبحرين في الجزائر , شهد  فرانس للمسيح  في  أرض سورية التي أحب أهلها جميعهم إخلاص, أحبهم حتى النهاية ..
 
ليكن ذكرهؤلاء الشهداء ,  شهداء المحبة ,  مؤبداً .. 
:::__
(1) Trappistes 
(2) Christian de Chergé 
(3)Groupe Islamique Armé   أحد الفصائل الإسلامية المقاتلة في الجزائر بالإضافة إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ  Front Islamique du Salut (FIS)    
(4) إشارة إلى اللصين اللذين صلبا على جانبي يسوع المصلوب
 
     

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Ibrahim Haskour

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير