وبناء على بُعد نظره، اقترح سماحته بأن يتسلمها بدلا عنه سيادة المطران المناضل هيلاريون كبوجي.
اتصلتُ بسيادة المطران كبوجي المقيم في روما، وبعد أن سلّمت عليه وأجبت على اسئلته التي اراد بها ان يطمأن على بلده سورية ومدينته حلب وعلى سماحة المفتي حسون وعلى افراد عائلتي، قلت له : “إن سماحة المفتي يريد أن يتكلم معك، فمتى هو أفضل وقت ترغب بذلك؟”، فقال لي : “انا الآن يا باسل سأخرج من المنزل وأعود بعد ساعتين” فأجبته “ليكن بعد ثلاثة ساعات”.
كان صوته بعيداً ولكنه صوت قوي يحمل سنوات نضاله وسجنه لدى العدو الاسرائيلي، كما يحمل سنوات نفيه وعيشه بعيداً عن وطنه ومدينته حلب ورغم كل الأعباء التي يحملها عن القضية الفلسطينية، حتى قلت له ذات مرّة : سيدّنا اعتقد أن القدس موجودة بداخلك بدلا من قلبك” .
بعد ثلاثة ساعات تقريباً اتصل سماحة المفتي معي كما اتصل على الخط الثاني بالمطران في روما واستمعت الى الحديث الذي انقل مقتطفات منه:
قال له المفتي: ” السلام عليكم سيادة المطران، كيف حالك؟”
ثم بعد السلام والتحيات بينهما انتقل سماحته الى الموضوع فقال له: “سيادة المطران، هناك منظمة في روما، ستمنحني جائزة للسلام، ونظراً لأن ارتباطاتي لا تسمح لي بالسفر، سألتهم إن كان بالامكان ان يتسلم الجائزة شخصٌ بدلاً مني؟ فاجابوني بنعم، فقلت لهم أن لي عمّاً كريماً يسكن روما، فسألوني عن الاسم وكيف يمكنهم التنسيق معه، فأجبتهم انه المطران كبوجي…” وضحك الاثنان ضحكة مجلجلة.
ثم اردف المفتي قائلاً: “قالوا لي ماذا؟؟؟؟…فأجبتهم نعم أنا مفتي سورية وعمي المطران المناضل السوري هيلاريون كبوجي، واعتقد يا سيادة المطران انهم اندهشوا من ذلك، وانا اتصل بك لأستأذنك في اعطائهم رقمك الهاتفي”
في اليوم المحدد تقدم المطران كبوجي لاستلام الجائزة الممنوحة للمفتي وسط دهشة الجميع، تقدم المطران باسم الشيخ ابن بلده سورية ومدينته حلب، وعلى الطرف الآخر كان سماحة المفتي يوجه كلمة من دمشق الى الحفل في روما عن طريق برنامج السكايبي على الانترنيت.
وماذا بعد؟؟؟
مطران سوري من حلب الجريحة ومفتي سورية (وهو من حلب) يعطيان صورة لكل اولئك الذين يسألون عن وضع المسيحيين في سورية.
بسنواته التسعين استلم المطران جائزة الشيخ.
بسنواته التسعين، أبى المطران إلّا أن يقدم الخدمات لبلده ولعيشها المشترك.
عندما أتصل به يسألني عن أدق التفاصيل في مدينته حلب، وهو بعمره هذا “انعمه الله بالصحة وطول البقاء”.
واخجلتاه منك سيادة المطران.
واخجلتاه منك أنت الذي تهتم بسورية وانت خارجها والكثير منّا يغادرونها وكأنها فندق ضعفت الخدمة فيه.
شيخ ومطران يعطوننا الدروس في الوطنية.
أما نحن والكثير من مسؤولينا الروحيين والمدنيين الى آخر السلسلة..فليس لديهم سوى الوطنجية…
اللهم اشهد اني بلغت.