محطات في العام الأول على حبرية البابا فرنسيس (4)

جزيرة لامبيدوزا Lampedusa ـ 8 تموز يوليو 2013 ” لا لعولمة اللامبالاة”

Share this Entry

لامبيدوزا جزيرة إيطالية في البحر المتوسط تبلغ مساحتها 20 كيلومترا مربعا وتتبع إداريا جزيرة صقلية. هي أقرب إلى السواحل الإفريقية منها إلى أقرب نقطة في صقلية ( حوالي ال200كم) مما يجعلها نقطة عبور لمواكب المهاجرين غير الشرعيين الذين يأملون بالدخول إلى أوروبا وغالبا ما تنتهي قصص أولئك المغلوبين على أمرهم بشكل مأساوي من موت وغرق ومرض لمن يسلم منهم بعد  ظروف غير إنسانية في السفر على قوارب مكتظة وغير أمنة.

اختار برغوليو المنحدر من أصول إيطالية هذه الجزيرة لتكون أول محطة له خارج روما. الزيارة بدأت برمي البابا إكليلا من الزهور في البحرإكراماً  لضحايا المهاجرين الذين قضوا نحبهم قبل وصولهم للجزيرة.

الذبيحة الإلهية التي أقامها على ملعب آرينا Arena  كانت مفعمة بالرموز. فقد تم إعداد المذبح على شكل قارب مجهز بإطارات النجاة واشترك في موكب تقدمة القرابين مهاجرون أفارقة. وتم تزيين  منبر الوعظ بعجلة قيادة سفن .كان الملعب محاطا بحطام سفن عديدة استعملها مهاجرون .

كانت عظة البابا في هذا القداس غاية في الروعة وكانت تنديدا  صارخا بالقيم التي تسود العالم الذي لم يعد يأبه بموت وغرق أولئك المساكين الذين يبحثون عن حياة أفضل .

فبعد كلمات الشكر لمسؤولي وسكان الجزيرة لم ينس البابا فرنسيس التوجه إلى المهاجرين المسلمين الذين يبدؤون صيام شهر رمضان المبارك في اليوم نفسه متمنيا لهم ولعائلاتهم  وافر الخيرات الروحية .

ذكّر البابا عبر استحضار سفر التكوين بالمسؤولية الأخلاقية للإنسان تجاه أخيه وجذورها في الكتاب المقدس. فالله منذ لحظة سقوط الإنسان  صرخ “أين أنت يا آدم ؟” .. “أين أنت يا قايين ؟”  . “هذا السؤال ليس فقط للآخرين ’ يقول البابا , وإنما للجميع .. الله يسأل كل واحد منا : أين دم أخيك الذي يصرخ إلي ؟ لا أحد اليوم يشعر بأنه مسؤول عن هذه المآسي,لقد فقدنا إحساسنا بالمسؤولية الأخوية ..لقد وقعنا في موقف الرياء كالكاهن واللاوي في مثل السامري الصالح : ننظر إلى أخينا نصف الميت على قارعة الطريق, ونقول بأنه فقير ونتابع طريقنا فهذا ليس من شأننا ونبقى نشعر براحة البال ما مدمنا ملتزمين ا بالقوانين….

…في عالم العولمة هذا, وقعنا في عولمة اللامبالاة. لقد اعتدنا على معاناة الأخر فهذا ليس من شأننا” ..

في نهاية عظته طلب البابا المغفرة من الرب “للامبالاتنا  تجاه العديد من الإخوة والأخوات..والغفران لأولئك الذين ساهموا بقراراتهم على المستوى الدولي في خلق الظروف المؤدية إلى مآسي كهذه ” ..

قد يتساءل البعض منا : ماذا بعد الزيارة ؟ وهل نجحت فعلا في  تسليط  الضوء على موضوع المهاجرين الشائك ؟

قطعا لم يقم البابا بالزيارة لإثارة ضجيج إعلامي يخمد بسرعة كما بدأ . كان يدعو دائما إلى الذهاب “إلى الأطراف” وهو ما عمله في هذه  الجزيرة.  لن نستطيع هنا تقدير مدى تأثير هذه الزيارة لضخامة الموضوع  لكن بعض الحوادث قد تعطينا عناصر للإجابة : 

ـ بعد عدة أشهر من زيارة البابا  قام فريق من تلفزيون قناة ARTE  الفرنسية الألمانية بزيارة الجزيرة ضمن مشروع تصوير فيلم وثائقي عن البابا   وتبين زيادة عدد العاملين والمتطوعين في منظمات الإغاثة المهتمة باللاجئين.

ـ في تشرين الثاني 2013  سجل الاتحاد الإيطالي لكرة القدم فريقا  تم تشكيله بالكامل من طالبي اللجوء الأفارقة المقيمين في مركز إيواء اللاجئين في مدينة Mineo  في صقلية  بطلب من رئيس المركز رغم عدم امتلاك البعض لأوراق إقامة  .

ـ في كانون الثاني2014 قدمالبابا إلى  إحدى الكنائس في لامبيدوزا  مغارة ميلادية من الفخار  بشكل قارب يحاول فيه مريم ومار يوسف إنقاذ مهاجر أفريقي من البحر وذلك لتشجيع أهل الجزيرة في جهودهم مع المهاجرين وعلامة لهم أن البابا لم ينسهم.

ـ وقّع الفاتيكان في 17 آذار من هذا العام   مع الشركة الأنكليكانية والأزهر الشريف اتفاقا لمحاربة الاتجار بالبشر واستضاف الفاتيكان في العاشر من نيسان  مؤتمرا دوليا  ضم مسؤولي أمن من دول ومنظمات  عديدة بغية تعميق الإجراءات العملية لمحاربة هذه الظاهرة  وطبعا أول ضحاياها هم المهاجرون الفقراء .

ـ في الأول من نيسان قام وفد من أساقفة الولايات المتحدة الكاثوليك برئاسة كاردينال بوسطن شون أومالي Sean O’Malley  بإقامة الذبيحة الإلهية في بلدة Nogales في ولاية أيرزونا والقريبة من الحدود الاميركية مع المكسيك للصلاة من أجل المهاجرين. لم ينس الأساقفة وضع  إكليل من الزهور على الجدار الفاصل بين الدولتين إكراما لمن مات من المهاجرين في محاولة الوصول لأميركا  تماما كما فعل البابا في لامبيدوزا . اشترك في القداس مكسيكيون على الطرف الآخر من الحدود وقد منحهم الأساقفة المناولة عبر فتحات  الجدار الحدودي . لقد صرّح أحد الأساقفة قائلا  : “لامبيدوزا خاصتنا هي الحدود الاميركية ـ المكسيكية “.  

عندما يستعيد عالم اليوم “القدرة على البكاء ” أمام مآسي الآخرين يستطيع بسهولة أن يجيب على سؤال الخالق : ” أين أخوك  ؟”..

شكرا البابا فرنسيس ..  

Share this Entry

Ibrahim Haskour

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير