1. في ختامِ درب الصليب التي شاركنا فيها بكلِّ تقوى، ونظَّمها مكتبُ راعوية الشبيبة في الدائرة البطريركيّة بقيادة الخوري توفيق بو هدير، نسجدُ بانسحاق القلب لصليب المسيح الفادي الذي به خلّصنا وخلّص العالم. ننظر إليه بروح التوبة والندامة عن كلّ إساءة جدّدنا بها آلامَه وصلبناه من جديد، على ما يقولُ بولس الرسول: “إنّ الذين استناروا، إذا عادوا إلى الخطيئة، صلبوا من جديد ربّ المجد”(1كور2: 8 ). ومع هذا ننظرُ إليه تائبين كما قال الكتاب: “سينظرون إلى الذي طعنوه”(يو19: 37).
2. في مسيرةِ درب الصليب، عبر مراحلِها الأربعَ عشرة، تأمّلنا وصلّينا واتّخذنا مقاصد، مستنيرين بالتأمّلات التي وضعتْها شبيبتُنا، كما تعلمون، السنة الماضية، بطلبٍ من قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، وقادت مسيرةَ درب الصليب في روما، في Colisée، مع قداسة البابا فرنسيس. نوجز أمثولتَها، لكي تظلَّ محفوظةً في ذاكرتِنا.
3. يسوعُ ابنُ الله المتجسّد يُحكم عليه بالموت وهو بريء، من سلطةٍ سياسيّةٍ جبانة، متمثّلة بشخص بيلاطس. خاف على كرسيّه فأرضى الشعبَ الحاقد الذي حرّكه أصحابُ النفوذ الحاسدون، وأمرَ بصلب يسوع. لكن ربّنا تقبّل بحبٍّ خلاصيّ أن يموت فدىً عن الجميع، مكفِّراً عن خطاياهم، لكي يبعث في العالم حياةً جديدة، وثقافةَ المحبة والرحمة والغفران. فكان صلبُه انتصارَه على الخطيئة والشّر، وأصبح صليبُه علامةَ الرجاء. هذا الصليبُ هو قوّتُنا في معركة الحياة.
4. وقع يسوع تحت صليبه ثلاثَ مرّات، للدلالة على ثقل خطايا البشر على قلبه المُحبّ والغفور، وعلى شدّة آلامه، وعلى انحناءته الرحومة علينا لكي يُنهضَنا من حالة بؤسنا الروحي والمعنوي والحسّي، كما تنبّأ عنه آشعيا: “طُعن بسببِ معاصينا، وسُحق بسببِ آثامِنا، نزل به العقابُ من أجل سلامنا، وبجرحِه شُفينا” (أش53: 5). بقوّة صليب المسيح ورحمةِ الله اللامتناهية، نستطيعُ أن ننهض من سقطاتنا، وننعمَ بفرحِ القيامة، قيامةِ القلب لحياةٍ جديدة.
5. تعاطفَ مع يسوع، المتروكِ بين أيدي الحسّاد والحاقدين والجهلة والرعاع، أشخاصٌ خفّفوا من آلامه الحسّية والنفسيّة وهم:
– أمُّه مريم، شريكةُ الفداء بحسب نبوءةِ سمعان الشيخ. إنّه وجهُ الأمّ الذي يخفّفُ من آلام كلّ إنسانٍ، بحضورِها وكلمتها وخدمتها ولمسةِ يدها.
– سمعان القيرواني، الذي ساعد يسوع على حملِ صليبِه، يمثِّلُ وجهَ كلّ إنسان يتعاطف مع الجائع والعطشان والعريان والغريب والمريض والسجين، ويمدُّ له يد المساعدة، أكانت حاجتُه مادّيةً، أم روحيّة، أم معنويّة. وهو يدركُ أنّ هؤلاء هم “إخوةُ يسوع الصغار”، فمن يخدمهم يخدم يسوع نفسه. على محبّتنا لهم سنُدان في مساءِ الحياة. لكنّنا لا ننسى أنّ الربّ يسوع يساعدُنا بنعمته على حمل صلبان حياتنا، ويخفّفُ من وجعها، ويعطيها قيمةَ فداءٍ وخلاص، إذ يشركُها بآلامه.
– المرأةُ فيرونيكا، مسحت بمنديلٍ وجه يسوع المشوّه بالدم والعرق المتصبِّبَين من إكليل الشوك على رأسه، ومن جبينه من جرّاء ثقل الصليب والألم والحزن. لكن يسوع كافأها بطبع وجهه المقدّس على منديلها، لكي يؤكّدَ مرّةً أخرى أن وجهَه المتألّم مطبوعٌ في وجه كلّ إنسان. فمن يراه، يرى وجه يسوع. ومن مسح جبين حزنه ووجعه، طَبَع الربُّ يسوع صورته ونعمتَه في قلبه.
– نساءُ أورشليم يبكين على يسوع من شدّة الظلم عليه، وهو البريء الذي جال في المدن والقرى، يعلن كلام الله ويشفي من كلّ الأمراض والعلل. أمّا يسوع فدعاهنّ ليبكين على خطاياهن وخطايا أولادهن وآثامهم وشرورهم (راجع لو23: 27-28). وهي دعوةٌ لنا للتوبة والتكفير بأعمالنا الصالحة عن الشرور والخطايا المتمادية في العالم، والظاهرة في النزاعات والحروب، في العنف والإرهاب، في البغض والحقد، في الظلم والاستبداد، في التفلّت من وصايا الله وتعليم الكنيسة، وفي الإساءةِ لله وللإنسانيّة.
6. لقد أنهينا معكَ، أيّها الربّ يسوع، طريق آلامك الخلاصيّة، أعطنا النعمة، ونحن نعود إلى بيوتِنا ومكانِ عملنا وتواجدِنا، لكي نواصلَ بدورنا آلام الفداء والخلاص، وشعارُنا كلمة بولس الرسول: “إنّا نتمّ في أجسادنا ما نقص من آلام المسيح من أجل الكنيسة”(كول1: 24)، راجين العبورَ مع عالمنا من حالة الموت الروحي والمعنوي، والإنساني والوطني، إلى حالة القيامة مُشعّين بسلام المسيح ومحبّته ورحمته اللّامتناهية، ونهتف:
المسيح قام! حقًّا قام!