ماذا نعني بقولنا " قامَ يسوعُ بالجسد ؟ "

سبق ونشرنا هذه المقالة لكاتب زينيت اللاهوتي عدي توما، ولكننا نود مشاركتها في هذا اليوم الذي نحتفل به في عيد القيامة المجيد. متمنين من جديد لجميع أحبائنا فصحًا مجيدًا!

Share this Entry

*

قيامة يسوع ، سرّ الإيمان . لا بل هي هذه القدحة التي فجّرت الإيمان ونشرتْ شظاياهُ النورانيّة في كلّ أرجاء الخليقة والكون . وصارت هي : نقطة إنطلاق وبدء الحياة الجديدة . لا أريدُ أن أطرح هذا الموضوع بطريقةٍ أكاديميّة مملّة ، بل وضع نقاط واضحة تعطي للسرّ – إن أردنا القول – وضوحيّته الكاملة .. وسيكونُ هذا الموضوع بجزأين فقط .

إنّ يسوع الناصريّ ، كإنسان عينيّ ، لا يمكنُ تصوّره من غير جسده. وإذا أردنا تجنّب الظاهريّة المسيحانيّة ، فكلّ السُبل تمرّ بـ “جسدانيّة القيامة ” . وهنا المسألة الوحيدة هي ، في طريقة تصوّر ” جسدانيّة القيامة- جسد القائم “.

في كتاب YOUCAT  (التعليم المسيحي الكاثوليكيّ للشبيبة) ، طُرح سؤالٌ عن كيفَ تكونُ قيامة أجسادنا ؟ وجاءَ الجواب ، بإنّ ذلكَ : سرّ ! . والصورة التي يمكنُ أن تساعدنا على تقبّل الفكرة ، أنّه لدى مشاهدة بصلة أقحوان (توليب) ، لا يمكننا أن نعرف إلى أيّ زهرة ٍ رائعة الجمال ستتحوّل بعد نموّها في الأرض المظلمة .

إذن ، الجسد ليسَ لعبة قديمة تُهمَل من بعد الموت والفناء ، بل تتحوّل. لكن ، سنشعُر بالتأكيد بعنصرنا الطبيعيّ . فالمسيح ذاته لم يكن وجوده في ” الجسد ” حدثا عابرًا . إذ عندما أظهَر ذاته ، رأى التلاميذ سماته الجسديّة (لكن بطريقةٍ بعيدة عن سمات الجسد العضويّ البيولوجيّ ! )

إذا أرادَ رسّام أن يصفَ ” قيامة المسيح ” ، فمؤكّد أنه سيرسم لوحة ً يظهر فيها المسيح المنتصر ، محطّما القبرَ وصاعدًا إلى السماء ! كما يصوّرها ماتيّاس غرونفالت (حيث يخرج المسيح ممجّدا ) . لا يمكنُ تصوّر يسوع القائم كــ”سوبر مان ” ، أو كــ”الرجل الوطواط ” (BATMAN)، الذي يطيرُ ويظهرُ ، هنا وهناك، بسرعةٍ بلمح البصرْ . فإن فكّرنا بهذا الأسلوب ، فنحنُ كمَن يفكّر تفكيرًا أخرقا، يعودُ بنا إلى تصوّر وثنيّ ، أو أسطورة من الأساطير ، لا منطق ولا مصداقيّة  ، وسيضيع الإيمان .

لم تكن قيامة يسوع ، ولا يمكن أن تكون كقيامة وإحياء “جثّة ” بعد موت ٍ سريريّ ! . أي ليست كقيامة إبنه يائرس أو إليعازر . فهذين قاما وماتا بعد مدّة من الزمن !. لو كانَ الأمرُ كذلك ، لوجبَ القول (كما يقول الأب فرنسوا فاريون ) ” بإنّ قيامة يسوع تقعُ برمّتها تحت قبضة الحواسّ والتاريخ ! ) . وهنا ، عندما نقولُ ” التاريخ ” ، فلا نعني بإنّ القيامة لا تمتّ للتاريخ بصلةٍ (إنتبهوا ! ) ، بمعنى أنها ” خرافة ” أبدًا ، المُستبعَد فقط ، هو أنّ قيامة يسوع ، لا يمكنُ أن تدخلَ في التاريخ العلميّ المجرّد المحض .. يمكنُ أن يُصوّر بكاميرا فيديو ، أو توضع على مائدة المؤرّخ (الذي يعتمدُ الآثار والمستندات الملموسة ! ) أو تدوّن بقلم الإعلاميّ الذي قد يكونُ شاهدَ هدم مبنى التجارة العالميّ في 11 أيلول ، مثلا ! .

إذن، لو تصوّرنا يسوع خارجًا من القبر  بشكل ٍ مهيب ٍ ، لإنزلقنا إلى مستوى الأساطير الوثنيّة ، وجعلنا إليه على صورتنا ، وأدخلناه لا في تاريخنا الحقيقيّ ، الذي هو تاريخ قراراتنا ، بل في ما نريدُ أن يكونَ تاريخنا للإفلات منهُ ، وشجّعنا ” الفلكلور ” ، مع أنه يجبُ علينا ألا نساعدَ على الخلط بين ” سموّ الإيمان المسيحيّ “، وما يبدو بديلا “للفلوكلورات الوثنيّة ” .

يسوع القائم ، ليس روحًا ولا شبحًا . (اليهود كانوا يميلونَ إلى الإعتقاد بالأرواح والأشباح ) . فالإنجيل يقولُ صريحًا : ” إلمسوني وأنظروا ، فإنّ الروحَ ليسَ له لحمٌ وعظامٌ كما ترونني ” لوقا 24 : 39 . إذن ، تهدف السلسلة الآولى إلى الدلالة على أنّ يسوع قامَ بجسده ، والسلسلة الأخرى تقولُ : إنّ هذا الجسدَ لم يعُد هو هو . فالقائم من الموت ، يظهرُ ويغيبْ ، ويجتازُ الأبواب المغلقة ، جسده لا يخضعُ لحتميّات المكان والزمان . إنه هو هو ذاته (السلسلة 1 ) ، لكنّه هو نفسه أصبح مختلفا كلّ الإختلاف (السلسلة 2) . هناكَ من يصرّ على أنّ التحقيق المزوّد بجميع وسائل التسجيل ، هو ذروةُ الحقيقة التاريخيّة . وغير ذلكَ مجرّد أوهام وخرافات وهلوسات أشخاص ! .. نقولُ : هل تقدرُ الكاميرات ووسائل التسجيل ، أن تُصوّر وتدوّن الشعور والوجدان والأحاسيس مثلا ؟! .

إذن ، قول الرسل ” نحنُ شهودٌ على هذه الأمور ” (أعمال 5 : 32 ) ، هل كانوا علماء في فنّ التصوير والتسجيل الآليّ والفوتوغرافيّ في وقتهم ؟ مستحيل طبعًا ، لا يعنون : رأيناهُ خارجًا من القبر كسوبر مان ، بل : نحنُ على يقين ٍ تامّ من أنّ يسوع هو حيٌّ . فتح في شخصه ، مرّة واحدة ، أبوابَ الحياة الحقيقيّة ، إنه هو ” القيامة “.

من أرادَ أن يفهمَ ” منطق القيامة الجسدانيّة ” ، عليه أن يدرسَ فلسفةَ الجسد ، ومفهوم الجسد في المسيحيّة ، ليفهمَ ” أن إختفاء جثمان يسوع ، ليس تبخّرا للمادّة ، بل هو إنتقالُ هذه المادّة وتحوّلها في الله ” (فرنسوا فاريون ).

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير