عظة غبطة البطريرك فؤاد الطوال يوم أحد القيامة 2014

أيها الأخوة والأخوات الأحباء،

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

المسيح حقاً قام! هللويا!

أَتوجّه إليكم اليوم في أجواءِ هذا الفرحِ العظيم ، فرحٍ صادرٍ عن سرٍّ مهيبٍ، يُشكِّلُ قلبَ وجوهرَ إيماننا ورجائنا المسيحي، “فلو أن المسيح لم يقم، لكان إيمانُنا باطلاً” (1قورنتوس 14:15).

بعد القيامة، تقهقرَ التلاميذ وعادوا إلى الجليل، وعندها ظهر لهم الرب بجسده الممجَّدِ، قائلاً لهم: “إِنِّي أُوليتُ كُلَّ سُلطانٍ في السَّماءِ والأَرض. فاذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم، وعَمِّدوهم بِاسْمِ الآبِ والابْنِ والرُّوحَ القُدُس، وعَلِّموهم أَن يَحفَظوا كُلَّ ما أَوصَيتُكُم به، وهاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم” (متى 18:28-20).

في الجليل انتهت رسالةُ يسوع على الأرض. وفي الجليل أيضاً تبدأ رسالة التلاميذ، تماماً كما شاء المعلّم وأراد، وكما طلب الملاك الذي كان يحرس القبر الفارغ من النسوةَ الخائِفات.

لا تَرتَعِبنَ! أَنتُنَّ تَطلُبْنَ يسوعَ النَّاصريَّ المَصْلوب. إِنَّه قامَ وليسَ ههُنا، وهذا هو المَكانُ الَّذي كانوا قد وضَعوه فيه.فَاذهَبنَ وقُلنَ لِتَلاميذِه ولِبُطرس: إِنَّه يَتَقَدَّمُكم إِلى الجَليل، وهُناكَ تَرَونَه كَما قالَ لكم ” (مرقس 6:16-7).

وهكذا من الجليل، انطلقتْ البشرى السّارة وانتشرتْ في أقطابِ الأرض الأربعة. ومنذ ذاك اليومِ السعيد، صار كل تجمع للمؤمنين: سواءً في إطار العائلة، أو العمل، أو أثناء احتفال ديني، جليلنا نحنُ، حتى نكونَ شهوداً للقيامة. “إذ لا خَلاصَ بأَحَدٍ غَيرِه، لأَنَّه ما مِنِ اسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص” (أعمال الرسل 12:4).

إن عيد القيامة هذا لَهوَ المناسبة المُثلى لنا، حتى نأخذ نحن دورنا بعد الرسل، في مواصلة البشارة والإعلان بدون جزع أو تعقيد، بأن المسيح هو ربُّنا ومخلِّصُنا. واجبٌ علينا أيضاً أن تصاحبَ بشارتَنا شهادتنا ومثالنا في المحبة، والتزامنا الجاد والفعّال من أجل خير الجميع ومن أجل إحلالِ العدل والسلام.

أيها الإخوة و الأخوات، لا يحقُّ لنا أن نلتزم الصمتَ والحياد، كما يذكرنا القديس بولس: “فإِذا بَشَّرتُ، فلَيسَ في ذلك لي مَفخَرَة، لأَنَّها فَريضةٌ لا بُدَّ لي مِنها، والوَيلُ لي إِن لم أبَشِّر!” (1قورنتوس 16:9). ومع مثال بطرس ويوحنا: “ نَحنُ لا نَستَطيعُ السُّكوتَ عن ذِكْر ما رَأَينا وما سَمِعْنا” (أعمال الرسل 20:4).

هذه البشرى هي دافعٌ للفرح، حتى لو جَلَبَت لنا العناء والاضطهاد. خصوصاً هنا في هذه الأرض المُبتلاة بالخصومات والنزاعات. لقد وَعدنا الربُّ قائلاً: “لا تخافوا هاءنذا معَكم طَوالَ الأَيَّامِ إِلى نِهايةِ العالَم” (متى 28).

اليوم وإلى الأبد، هو معنا من خلالِ نعمتِه وقوَّتِه. إنه معنا من خلال كنيسته المبنية على صخرة الإيمان المتينة. إنه معنا من خلال الأسرار المقدّسة. إنه معنا، قريب جداً، متواضعٌ وقويٌّ، في قلبِ الإفخارستيا المقدّسة.

إلى مرتا، أختِ لعازر، قال السيد المسيح: ” أنا القيامة والحياة من آمن بي، وإن مات، فسيحيا، وكل من يحيا ويؤمن بي لن يموت أبدا. أتؤمنين بهذا؟” (يوحنا 25:11-26).

دعونا اليوم نجعل من شكوى مرتا ومريم شكوانا نحن: “يا ربّ، لَو كُنتَ ههنا لَما ماتَ أَخي” (يوحنا 21:11)

يا رب لو كنت معنا، لَما تَشتَّت عائلاتنا المسيحية وهاجرت إلى بلدان العالم المختلفة، لَما عمَّ الدمار والخراب مدنَنا وبلدانَنا، ولَما دُنِّسَت كنائِسنا! وقلوبُنا أَمسَت مريضة وممزقة، وكهنتُنا وأساقفتُنا يُخطفونَ ويُسجنونَ ويُقتلون!!! “يا رب لو كنتَ ههنا لَما…“!

لكن، مع مرتا لا نزالُ نُردِّدُ: “ولكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه“! (يوحنا 22:11).

اِرحمنَا يا رب على قلة إيماننا! اِراف بنا على قلّةِ صبرِنا وفهمنا!

تعال واَشفِنا! نحن الذين تتلاعبُ بنا سياسات هذا العالم الهائجِ والعنيفة. وكما كانَ حال التلاميذ وسط العاصفة فيما كنتَ أنتَ نائماً، نتوسّل إليكَ ونرجوكَ: “يا مُعَلِّم، أَما تُبالي أَنَّنا نَهلِك ؟” (مرقس 38:4).

إنَّنا نؤمن يا رب: “أنك المسيح، ابن الله، الآتي الى العالم ليُخلصنا.

يا رب، لتكن قيامتكَ قيامتَنا! ليكنْ فصحكَ نوراً يُشرق مُشعَّاً على هذه الأرض المُنهكة بالانقسامات والعنف والأحقاد.

ليفِضْ روحُك كنارٍ متأجِّجَةٍ تغمرُ قلوبِنا، ويفتحْ عيونَ الإيمانِ فينا، ويجعلْ منا شهوداً لقيامتِكَ المجيدة.

لنصلِّي أيّها الإخوة والأخوات، حتى يأتي الرب، وهو “القيامة والحياة” ليخلِّصَنا من الخوف، من الشك، ومن الحقد ومن نقصِ الرجاء. لِنَسِرْ معاً إلى عمواس وإلى الجليل كما سارَ الرسلُ من قَبل، حتى نعرفَ يسوعَ بشكلٍ أفضلَ، ولنكتشفَ وجهه القدُّوس، المصلوب والممجد.

أيها الإخوة والأخوات، نصلي طالبينَ أن يُشعَّ فرح القيامة على وجوهنا وفي حياتنا، حتى يعرفَ العالم مُخلِّصَه الأوحد والوحيدَ وينجوَ من الحزن، واليأس ومنَ الانقسامات.

فصحٌ مجيدٌ لكم جميعاً!

لقد قام حقَّاً كما قال. هللويا! هللويا!

آمين

 فؤاد طوال

بطريرك القدس للاتين

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

Fouad Twal

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير