فلننطلق من تصويب لغوي هام جدًا له وقعه اللاهوتي والتقوي. يدرج القول أن يقول أحد عن ذاته: أنا “متعبد” للقديس شربل، أو أنا متعبد للقديس أنطونيوس البادواني، وأنا متعبدة للقديسة ريتا، إلخ. رغم أن مقصد من يقول هذه الكلمات عادة ليس الحديث عن “عبادة” هي واجبة نحو الله وحده، إلا أنه من المستحسن أن نصوّب لغتنا. فالعبادة لا تُعطى لأي مخلوق، ولا حتى العذراء مريم، التي رغم سمو قداستها هي مخلوقة. يجب أن نبدأ الكلام عن “تكريم”. ورغم أن الكلمة ليست اعتيادية، مع الوقت سنعتاد عليها.
فعلم اللاهوت يميز انطلاقًا من التقليد العريق بين فعلين متمايزين: التكريم (proskynesis) والعبادة (latreia). التكريم هو فعل يجوز للمخلوقات، ونحن مدعوون لإكرام الأب والأم (الوصية الرابعة)، ولإكرام القريب، ولذا يعلم التقليد أنه يجب أن نكرم القديسين كما نكرم إخوتنا بالمسيح، لأنهم صورة المسيح. ولكن هذا التكريم هو مختلف جوهريًا عن العبادة. هذا التمييز الدقيق بين التعبيرين يعود بوجه التحديد إلى القديس يوحنا الدمشقي في معرض الجدال حول تكريم الأيقونات.
بعد هذا التحديد نتساءل عن الأسلوب القويم في تكريم القديسين؟
تكريم القديسين لا يتم من خلال “التعبد” بالمعنى الحرفي للكلمة. فالتعبد الوثني هو مهين لهم لأنه لا يصبّ في مقام نظرتهم وسيرة حياتهم التي كانت دومًا تكرر أولية الرب. هناك من قال لي مرة: “أحب يسوع ولكن القديسة ريتا بالنسبة لي هي فريدة من نوعها”. كلمات من هذا النوع تجعل القديسة تنتفض بمثواها!! القديسون لا يجب أن يكونوا عائقًا أو بديلاً عن الرب. فنحن نكرمهم لأنهم يدلونا ويهدونا إلى الرب، لأنهم يجسدون جزءًا من عبقرية الروح القدس في هداية النفوس إلى الله، الله-المحبة. طبعًا، يمكنك أن تشعر نفسيًا أنك قريبة من القديسة ريتا (الشخص الذي قام بالمساررة أعلاه هي أم)، ولكن هذا قرب نفسي ومعنوي، ويجب أن ندركه كذلك، وليس له بعد لاهوتي. فلاهوتيًا وإيمانيًا ما من أحد أقرب من الرب يسوع إلى النفس، ما من وسيط بينه وبيننا! القديسون ليسوا “واسطة” نبرطلها ونرشيها بشموع وابتهالات ونطوشها بتسعويات. هذا ليس تكريم مسيحي، هذه ممارسات وثنية، كما يذكرنا يسوع بمثال الوثنيين الذين يظنون أنهم يحصلون على مرامهم من خلال “تدويخ” الألوهة (راجع مت 6).
ولنعد للسؤال إذًا: كيف نكرم القديسين؟ إليكم ثلاث إمكانيات:
– أولاً: الاقتداء بحياتهم، وبشكل خاص بمحبتهم للرب وللإخوة، تبعًا لمواهبهم الخاصة
– ثانيًا: الصلاة معهم، الحوار مع إخوة لنا باتوا عند الرب. ولكن ليس انطلاقًا من منطق: “فلأتكلم من خلال القديس الفلاني، ربما الرب يحن قلبه!!”. فهذه صورة تعيسة عن قلب الرب وعن دور القديسين!! الصلاة معهم تعني أن نكون بشركة مع أولئك الذين رغم أنهم لم يعودوا معنا بشكل منظور، هم معنا أكثر لأن حياتهم باتت في الله!
ثالثًا: من خلال تكريمهم والصلاة “من خلالهم”. ماذا أعني بهذا؟ يأتي إلى بالي مثلان: 1) لقاء مريم العذراء بأليصابات. ماذا جرى حينها؟ عندما مدحت أليصابات مريم، مريم عظمت الرب، لم تحتفظ بشيء لذاتها. 2) المثل الثاني يأتي من سيرة القديس فرنسيس. ففي إحدى لقاءاته مع حشد من المؤمنين، بدأ الناس يمدحون فرنسيس ويقبلون يديه ورجليه حتى، ولمرة لم يقل فرنسيس شيئًا بل قبل كل شيء بصمت. وفي طريق العودة، سأله الأخ الذي تشكك من تصرف القديس، فأجابه “الفقير”: بينما كانوا يمدحونني ويكرمونني ولجت في قلبي في وقفة صلاة ورفعت كل شيء إلى الرب، لأن كل ما فيّ من خير هو منه. وعليه، في تكريمنا للقديسين نحن نكرم ونعبد الرب مصدر كل خير ذاكرين ما قاله القديس يعقوب في رسالته: “كل هبة عظيمة تأتي من العلو، من لدن أبي الأنوار”.