– موضوعيّا ، الكنيسة الكاثوليكيّة أكبر منظّمة في العالم ، فهي مزوّدة بشبكة مركزيّة تعمل جيّدا وتمتدّ في كل أنحاء العالم . وهي تضمّ مليارًا ومئتي مليون عضو ، وأربعة آلاف أسقف ، وأربعمئة ألف كاهن ، وملايين الرهبان . تملك الكنيسة الكاثوليكيّة آلاف الجامعات ، والأديار ، والمدارس ، والمؤسّسات الإجتماعيّة . وفي بلد مثل ألمانيا ، إنّها ، بعد الدولة ، من أكبر الموظّفين . وهي ليست علامة امتياز ، مع مبادئ توجيهيّة ثابتة فقط ، إنّما لها هُويّتها الخاصّة وعبادتها الخاصّة ، وآدابها الخاصّة ، وقدس الأقداس ، والإفخارستيّا . وبعد ، فهي مُشرّعة ” من علُ ” ويمكنها أن تقول عن ذاتها : نحنُ الأصل ، ونحنُ حماة َ الكنز .
ماذا يمكننا أن نضيف ؟ أليس من الغريب والمشكّك أن لا تستفيد هذه الكنيسة أكثر بكثير من هذه الإمكانات التي لا مثيلَ لها ؟
أجابَ البابا بنديكتوس السادس عشر : بالطبع ، علينا أن نطرحَ السؤال على أنفسنا : إنه اصطدام عالَمين روحيّين : عالم الإيمان والعالم العَلْمانيّ . المسألةُ هي معرفة ما إذا كانت حركة العَلمنة صحيحة . أين يستطيعُ الإيمان أن يتّخذ أشكال الحداثة ؟ وأين عليه أن يتّخذها ؟ وأين عليه إبداء مقاومتها ؟ يجتازُ هذا الصراع الكبير اليوم العالمَ أجمع .
يقول لي أساقفة من العالم الثالث : إنّ العَلمانيّة موجودة عندهم ، وهي تطابق أشكالَ حياة ٍ قديمة ٍ جدّا . غالبًا ما يتساءَل المرء ، كيف يمكنُ أن لا يكون عند المسيحيّين المؤمنين حقّ الإيمان ، القوّة ليضعوا إيمانهم موضع العمل بشكل أقوى على الصعيد السياسيّ . علينا قبل كلّ شيء ، أن نسهرَ في أن يضعَ المسيحيّون الله نصبَ عيونهم ، وأن يعترفوا بالكنز الذي يملكونه . ومن ثمّ ، يستطيعونَ من تلقاء أنفسهم ، وبقوّة إيمانهم الشخصيّ ، أن يواجهوا العَلمنة ، ويمارسوا تمييز الأرواح . هنا ، في هذا السياق الكبير ، تكمنُ مهمّة عصرنا الحقيقية الكبرى . لا يسعنا إلاّ أن نأمل أنّ قوّة الإيمان الداخليّة الحاضرة في البشر تكتسبُ أيضا قوّة في الحياة العامّة . وهي تطبعُ الفكر علنـــًا ، لكي لا يقع المجتمع ، بكلّ بساطة ، في هوّة لا متناهية .